Search
Close this search box.

احتضان البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي (AI) استراتيجيًا: التحول الرقمي لجيش الدفاع الإسرائيلي

ياكوف لابين (Yaakov Lappin) - باحث مشارك - مركز بيجن والسادات للدراسات الاستراتيجية - إسرائيل

Abstract

يقود جيش الدفاع الإسرائيلي (IDF) حملة مركزة للتحول استراتيجيًا إلى آلة قتالية مدعمة شبكيًا. إن دمج جيش الدفاع الإسرائيلي مع القوات البرية والبحرية والاستخبارات العسكرية ضمن بنية رقمية مشتركة أصبح هو السمة المميزة لهذا الجهد، وذلك في ظل وضع الذكاء الاصطناعي (AI) كعامل تمكين أساسي لاستراتيجية جيش الدفاع الإسرائيلي (IDF). إن الذكاء الاصطناعي (AI) يساهم في توفير شبكة قتالية موحدة عن طريق ربط قواعد بيانات ضخمة مع مصفوفة واسعة من أجهزة الاستشعار والأجهزة الأخرى لضغط الفترات الزمنية بين أجهزة الاستشعار وأجهزة الإطلاق بشكل كبير. لقد أُنجز تقدم كبير من خلال برنامج مومنتم (Momentum) متعدد السنوات لبناء قوة جيش الدفاع الإسرائيلي (IDF) – والذي بدأ عام 2020 – بهدف تحسين التبادل الفوري للمعلومات الاستخباراتية وتنسيق التفاعلات بين الوحدات العملياتية من خلال قيادات متعددة في جيش الدفاع الإسرائيلي (IDF). إن الأمر لا يقتصر على الذكاء الاصطناعي (AI) في حد ذاته – بل يمتد إلى نطاق أوسع – حيث أن احتضان “البيانات الضخمة” هي ما تمثل مُغير لقواعد اللعبة بالنسبة لإسرائيل. إن الأثر التحويلي للذكاء الاصطناعي (AI) في استغلال البيانات الضخمة، وتحويلها إلى معلومات واضحة، ونشرها سريعًا للمستخدمين، هو ما يضع الذكاء الاصطناعي (AI) موضع العنصر الحاسم في نموذج الحرب المستقبلية لجيش الدفاع الإسرائيلي IDF))، وهو ما يُنبئ بمكاسب هائلة.

The Author

ياكوف لابين (Yaakov Lappin) محلل ومراسل للشؤون العسكرية والاستراتيجية. باحث مشارك في مركز بيغن والسادات للدراسات الاستراتيجية، ومركز ألما، ومعهد ميريام. مراسل عسكري في مجلة جين الأسبوعية عن الدفاع (Jane’s Defense Weekly) ونقابة الأخبار اليهودية (JNS). ياكوف (Yaakov) ضيف منتظم معلق على قضايا الدفاع في وسائل الإعلام التلفزيونية والإذاعية الدولية، بما في ذلك قناة آي24نيوز (I24) الإخبارية وسكاي نيوز (Sky News).

البيانات الضخمة واستخدام الذكاء الاصطناعي (AI)

لقد بدأ هذا القرن يشهد التأثير التحويلي السريع واسع النطاق للذكاء الاصطناعي (AI) ــ والمجال العسكري ليس ببعيد عن ذلك. تعمل إسرائيل حاليًا على دمج الذكاء الاصطناعي (AI) استراتيجيًا ضمن الأنظمة العسكرية. لقد وفرت بيئة التهديد المعقدة أرضًا خصبة لجيش الدفاع الإسرائيلي (IDF) لريادة التقنيات ذات التكنولوجيات الرقمية الجديدة والاستخدامات المبتكرة للذكاء الاصطناعي (AI). إن الذكاء الاصطناعي (AI) يلعب دورًا هائلًا في استغلال البيانات الضخمة لزيادة توليد المخرجات إلى معدلات أُسية هائلة وذلك باستخدام أجهزة الاستشعار ومصادر الاستخبارات الحالية والمستقبلية، حيث يمكنه فعليًا التعزيز من مخرجات الاستخبارات القابلة للتنفيذ بشكل كبير دون الحاجة تقريبًا إلى توسيع شبكة أجهزة الاستشعار (Frantzman, 2022b; Lappin, 2022). لقد أصبحت البيانات الأساس لعمليات التخطيط والتنفيذ العملياتية الحديثة؛ ويُعد توسيع نطاق استغلالها أمرًا أساسيًا لجعل جيش الدفاع الإسرائيلي (IDF) “أكثر فعالية، وأسرع، وأكثر كفاءة”، وهذا ما يراه القادة (Frantzman, 2022a). ويمكن النظر إلى هذه التطورات كجزء من الاتجاه الذي تسعى فيه إسرائيل إلى ترسيخ نفسها كقوة عظمى في مجال الذكاء الاصطناعي (AI) خلال السنوات المقبلة (Williams, 2023).

 إن القدرة على اكتشاف أهداف معادية حساسة للوقت مدمجة ضمن محيط معادٍ – وغالبًا ما تكون مُركبة فيها – وتحويل المعلومات الاستخباراتية بسرعة إلى قوة إطلاق دقيقة يمكن إيصالها من أي مجال كانت تمثل تحديًا كبيرًا لجيش الدفاع الإسرائيلي (IDF) في الرد على التهديدات غير المتماثلة الصادرة من جهات فاعلة غير حكومية وهجينة. لقد طور جيش الدفاع الإسرائيلي (IDF) رداً على هذا التحدي من خلال برنامج مومنتم (Momentum)، الذي صاغ هدف ربط القوات الجوية الإسرائيلية (IAF) مع القيادات القتالية الأخرى والاستخبارات العسكرية في بنية رقمية مشتركة قابلة للتطوير باستخدام الذكاء الاصطناعي (AI) لمعالجة واستغلال وتخصيص كميات كبيرة من البيانات إلى الوحدات المناسبة. تناول برنامج مومنتم (Momentum) ضرورة تحول جيش الدفاع الإسرائيلي (IDF) رقميًا ضمن إطار متعدد القيادة (Frantzman, 2022b). لقد أظهرت فعليًا نتائج التحول المتعدد الأوجه مكاسب كبيرة لجيش الدفاع الإسرائيلي (IDF). فعلى سبيل المثال: أصبح من الممكن لقائد فصيلة استغلال المعلومات الاستخباراتية المجمعة من منصة جوية تابعة للقوات الجوية الإسرائيلية (IAF) والعكس صحيح (Frantzman, 2022b). من ناحية أخرى، فقد استخدم مركز الأهداف الجديد التابع لجيش الدفاع الإسرائيلي (IDF) – والذي تم إنشاؤه عام 2019 – الذكاء الاصطناعي (AI) لإنشاء نفس العدد من الأهداف في شهر واحد والتي كان يستغرق إنتاجها سابقًا أكثر من عام (Lappin, 2022).

بالعمل عن كثب مع مقاولين من قاعدته الصناعية المحلية، فإن احتضان جيش الدفاع الإسرائيلي المتزايد للذكاء الاصطناعي (AI) يمتد ليطال الإجراءات والقيادة والتحكم وإمكانات الاستهداف داخل قياداته الجوية والبرية والبحرية ودوائره الاستخباراتية. وعلى وجه الخصوص، تنشر القوات الجوية الإسرائيلية (IAF) مجموعة متزايدة من الإمكانات المدعومة بالذكاء الاصطناعي (AI) لدعم التنفيذ السريع للمهام التي تبدأ من إنشاء إحداثيات دقيقة للاستهداف وصولًا إلى تحقيق الاستفادة المثلى من التخطيط اللوجستي (Edelson, 2023). إن منصة الذكاء الاصطناعي (Fire Factory AI) التي أنشأها جيش الدفاع الإسرائيلي (IDF) مؤخرًا تُعد أحد الأمثلة على ذلك: وذلك باستخدام البيانات التاريخية المجمعة من العمليات السابقة، حيث تعمل المنصة على تحسين الكفاءة والأداء التشغيلي عن طريق تعيين آلاف الأهداف عبر المنصات، وحساب أحمال الذخائر المُثلى، والتوصية بجداول زمنية للإطلاق (Edelson, 2023). وقريباً، ستقوم القوات الجوية الإسرائيلية (IAF) بإدخال أورون (Oron)، وهي طائرة لجمع المعلومات الاستخباراتية تم تطويرها بالتعاون مع شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية (IAI) لتوفير مراقبة مستمرة لمنطقة شاسعة. استنادًا إلى الطائرة التنفيذية (Gulfstream G550)، فقد جُهزت أورون (Oron) بأنظمة بيانات تلقائية تعمل على خوارزميات متقدمة وذكاء اصطناعي (AI) يكتشف ويحلل آلاف الأهداف عبر آلاف الكيلومترات في ثوانٍ معدودة (Lappin, 2023; Air Force Technology, 2021).

ليست القوات الجوية الإسرائيلية (IAF) الجهة الوحيدة المحتضنة للذكاء الاصطناعي (AI) أو للمكاسب العملياتية التي يمكن أن يحققها. فقد عزز الذكاء الاصطناعي (AI) الإمكانات التحليلية لدوائر الاستخبارات العسكرية التابعة لجيش الدفاع الإسرائيلي (IDF) بتأثيرات غيرت قواعد اللعبة. لقد حسن نظام يُدعى ستار جيت (Stargate) الإنتاج بمقدار خمسين ضعفًا منذ نشره تشغيليًا عام 2020. عن طريق المسح السريع لمدخلات الفيديو المتعددة المستلمة من أجهزة الاستشعار، فإن ستار جيت (Stargate) تستطيع تحديد الأشياء محل الاهتمام بدقة وسرعة غير مسبوقة، مما يقلل بشكل كبير عدد ساعات العمل اللازمة لإكمال نفس العملية يدويًا (Shahaf 2020). كذلك على الأرض، تُصمم المركبات القتالية التابعة لجيش الدفاع الإسرائيلي (IDF) بأنظمة داخلية مدعومة بالذكاء الاصطناعي (AI) بهدف توفير تواصل سلس مع القوات الجوية الإسرائيلية (IAF). فعلى سبيل المثال: فإن أثينا (Athena) – وهو أحد سيرفرات الذكاء الاصطناعي (AI) الذي تطوره شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية (IAI) – يمكنه بناء صورة مشتركة لساحة المعركة ويمكنه كذلك التعاون حتى مع منصات القيادة والتحكم (C2) البعيدة، حيث يعمل بمثابة “العقل” ضمن نظام من الأنظمة. نظام آخر – ستار لايت (Starlight) – الذي أطلقته شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية (IAI) عام 2021، والذي يوصف بأنه “نظام تحليل متعدد الأعداد الصحيحة (multi-INT) [عدد صحيح]” من الجيل التالي القائم على الأنظمة السحابية، حيث يجمع البيانات من أجهزة استشعار مختلفة لتوليد رؤى تشغيلية غير مسبوقة وتوفير الدعم في صناعة القرار (Lappin 2021). هذه بعض من بين العديد من الأمثلة المتزايدة عن تزايد استخدام الأنظمة المدعومة بالذكاء الاصطناعي (AI) من قبل جيش الدفاع الإسرائيلي (IDF) والصناعات الدفاعية الإسرائيلية لمواجهة التحديات الناشئة من “طوفان البيانات”.

إن الجيوش – باعتبارها منظمات كبيرة تركز على البيانات – لا تجمع بيانات كافية فحسب، بل يجب أن تكون قادرة على تنظيم المعلومات وتحليلها ودمجها ونشرها بسرعة خلال الشبكة الرقمية.

– ياكوف لابين

 إن النطاق المتزايد لإمكانات جيش الدفاع الإسرائيلي (IDF) والذي يستخدم الذكاء الاصطناعي (AI) لتحسين الأداء على مستوى الأنظمة ولضغط الجداول الزمنية للتخطيط واتخاذ القرارات التشغيلية يؤكد من جديد على قدرة الذكاء الاصطناعي (AI) على توسيع عمليات البيانات وتسريعها. لقد مكّن الذكاء الاصطناعي (AI) جيش الدفاع الإسرائيلي (IDF) من التدقيق في مجموعات البيانات الضخمة الناشئة من مجالات متعددة، وإنشاء معلومات استخباراتية قابلة للتنفيذ، وتخصيص المعلومات بسرعة للوحدات ذات الصلة. إن هذا النهج التوجيهي قد حاول حل مشكلة القادة، ومحللي الاستخبارات، والمقاتلين “الغارقين في البيانات إلا أنهم يتضورون جوعًا للمعلومات”، وذلك على حد تعبير أحد الجنرالات الأمريكيين (Lappin 2021). إن الجيوش – باعتبارها منظمات كبيرة تركز على البيانات – لا تجمع بيانات كافية فحسب، بل يجب أن تكون قادرة على تنظيم المعلومات وتحليلها ودمجها ونشرها بسرعة خلال الشبكة الرقمية. إن مناهج البيانات الضخمة المدعومة بالذكاء الاصطناعي (AI) لديها إمكانات هائلة لإطلاق العنان للامركزية التشغيلية غير المسبوقة واتخاذ القرارات بشكل أسرع، والذي من شأنه أن يعيد تعريف القيادة والتحكم (C2) لجيش الدفاع الإسرائيلي (IDF) في التضاريس المعقدة والديناميكيات الانسيابية المرنة للبيئات العملياتية المستقبلية (Lappin, 2022).

الشكل 7.1 : تسخير قوة البيانات الضخمة

إنشاء برنامج مومنتم (Momentum) نحو قوة مشتركة مدعومة بالذكاء الاصطناعي (AI)

لقد اعترف قادة جيش الدفاع الإسرائيلي (IDF) بوضوح بفائدة البيانات الضخمة، حيث يبذلون جهودًا متضافرة لاستخدام الذكاء الاصطناعي (AI) لتسهيل التكامل بين القوات وتطوير بنية رقمية مشتركة. لقد شهدت رؤية هذا التحول توضيحًا مبكرًا عام 2014 من قبل قائد دائرة المخابرات العسكرية في جيش الدفاع الإسرائيلي (IDF) آنذاك – أفيف كوخافي(Aviv Kochavi) (Kochavi and Ortal 2014). واقترح كوخافي (Kochavi) إنشاء شبكات استخباراتية بين الوحدات المنفصلة مع إنشاء بنية موحدة يمكنها دمج المعلومات ومشاركتها بسرعة على المستوى المشترك. لقد تطورت هذه الأفكار وساعدت في التأثير على أول برنامج متعدد السنوات يعتمد على البيانات الضخمة لجيش الدفاع الإسرائيلي (IDF) عندما تولى كوخافي (Kochavi) قيادة الجيش الإسرائيلي في يناير 2019. في غضون عام، بدأ كوخافي (Kochavi) برنامج تحديث متعدد السنوات أطلق عليه اسم مومنتم (Momentum)، وقد وصفه أورتال (Ortal) (2020) على النحو التالي:

“بارتداء “البدلة الذكية”، ستستطيع القوة العسكرية الإسرائيلية الحالية التكيف مع التحدي المتمثل في الأعداء من طائرات الشبح المطِلقة للنيران، وذلك دون الإضرار باستعدادها الفوري للحرب ودون المطالبة بميزانيات مستحيلة. ومن الناحية العملية، فإن المقصود بذلك هو شاشة استطلاع تعتمد على أسراب الطائرات بدون طيار (UAVs) التابعة للقوات التكتيكية، والتآزر في الاستخبارات والاستشعار بمعنى ربطها جميعًا بقواعد بيانات مشتركة، وأنظمة فعالة لاستخلاص المعلومات. وهذا سيسمح لنا تحديد موقع العدو بشكل أكثر دقة وبسرعة. إن إنشاء هذه المنصة ليس رخيصًا، ولكن “البدلة الذكية” تتيح لنا تأسيس الحل الموجود لدينا بناء على القوة الحالية بينما نلبسها عناصر تحديث عملية وبأسعار معقولة. “

 

 بمجرد إنشائها عام 2020، فقد قدمت مومنتم (Momentum) إطارًا توجيهيًا مفيدًا للتحول الرقمي داخل جيش الدفاع الإسرائيلي (IDF). كما تضمنت الجهود إعادة تشكيل جيش الدفاع الإسرائيلي (IDF) لزيادة معدل الاستجابة بفعالية أكبر ضد الأهداف الحساسة للوقت، وخاصة تلك المتمركزة في المناطق المدنية حيث تكون الاستجابات العملياتية معقدة. لقد كان تطوير نظام إدارة المعركة تورش 750 (Torch 750) من شركة إلبيط (Elbit) بمثابة نقطة تحول رئيسية، حيث تم توحيد الوحدات الأرضية – من المشاة والسلاح المدرع والمدفعية والهندسة القتالية بنجاح بالإضافة إلى أن تفاعلاتها الديناميكية مع جميع عناصر القوة الأخرى (بما في ذلك القوات الجوية الإسرائيلية “IAF”) أصبحت أمرًا ممكنًا. لقد قدمت تورش 750 (Torch 750) نظامًا يدمج أجهزة الاستشعار وأجهزة الإطلاق، وأنظمة الاتصالات، والمنصات المأهولة وغير المأهولة، بسلاسة وهو ما يعزز التنسيق بين القوات والتخطيط وإدارة المعركة الشاملة باستخدام الذكاء الاصطناعي (AI) وفي نفس الوقت سيحد من العبء الإدراكي على جميع المستويات مما يسهل اتخاذ قرارات عُليا (Elbit Systems, n.d.).

 

 بفضل قدرته على معالجة وتخصيص المعلومات الاستخباراتية فوريًا وبدقة عن القوات المعادية والصديقة، فقد مكّن تورش 750 (Torch 750) القادة والمشغلين والوحدات التكتيكية من قياس الديناميكيات العملياتية لقوات الخصم وقوات الفريق الأزرق (القوات الصديقة) في أي وقت وفي أي مسرح عمليات كان. إن المقرات التكتيكية لجيش الدفاع الإسرائيلي (IDF) تتلقى حاليًا في الميدان مجموعة كاملة من خدمات استخبارات جيش الدفاع الإسرائيلي (IDF) الخاصة بساحة المعركة، وهو ما يمنحها على سبيل المثال القدرة على المساهمة في الصورة المشتركة عن طريق النشر التكتيكي للطائرات بدون طيار ومجموعة من أنظمة جمع المعلومات الاستخباراتية المتقدمة. إن الفوائد التي تعود على جيش الدفاع الإسرائيلي (IDF) جاءت على المستوى المشترك، وهو ما يتيح إمكانية تنفيذ عمليات استهداف أسرع وأكثر دقة. لقد لعب الذكاء الاصطناعي (AI) دورًا حاسمًا في تنفيذ العمليات الأساسية اللازمة في كل خطوة لتحقيق هذه المكاسب، بدايةً من معالجة البيانات والاستخبارات وصولًا إلى تخصيص المعلومات وتنسيق الاستهداف عبر الوحدات الجوية والأرضية. بعد العملية الكبيرة عام 2021، والتي اُستخدمت فيها تورش 750 (Torch 750) لتنفيذ أول نشر تشغيلي كبير، فقد نسب كبار الضباط الفضل إلى الخوارزميات في أتمتة الاستخبارات لخدمة متطلبات الخطوط الأمامية بطريقة لا يستطيع أي مشغل بشري تنفيذها (Dombe 2021).

بناء مؤسسة قتالية تكيفية

إن نجاح تورش 750 (Torch 750) في نقل المعلومات الاستخباراتية المهمة بسرعة إلى المستخدمين على الخطوط الأمامية لم يكن مدفوعًا بالتكنولوجيا فحسب؛ فقد عُزز كذلك على مستوى رأس المال البشري والعمليات عن طريق إنشاء مراكز استخباراتية “المكتب الخلفي” (Lappin 2021). من خلال الجمع بين القوى العاملة متعددة التخصصات والمكلفة بالاستفادة من البيانات الضخمة بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي (AI) والتعلم الآلي (ML) لفصل البيانات المفيدة عن الضوضاء الجانبية بهدف توليد معلومات استخباراتية عالية الجودة قابلة للتنفيذ، فإن القوى العاملة في “المكتب الخلفي” تعكس إعادة هيكلة مبتكرة لجيش الدفاع الإسرائيلي (IDF). لمواكبة التقدم التكنولوجي الذي توفره أنظمة مثل تورش 750 (Torch 750) فقد كان جيش الدفاع الإسرائيلي متكيفًا مع هيكله العملياتي ومرنًا في قدرته على التحول بعيدًا عن النماذج التقليدية القائمة على التسلسل القيادي التقليدي وبمشغلين معتمدين على قيادة وتحكم واتصالات (C3) أبطأ. لقد تم تسهيل هذه التحولات من خلال المساهمات الحيوية من خلال إدارة القيادة والتحكم والاتصالات والحوسبة والاستخبارات (C4i)، ودائرة الدفاع السيبراني التابعين لجيش الدفاع الإسرائيلي IDF))، حيث يتم تكليف مختلف الإدارات والفروع بمجموعات مهام محددة لتطوير حلول مبتكرة باستخدام التكنولوجيات الرقمية الجديدة. 

 

إن إحدى هذه الجهات الفاعلة هي إدارة التحول الرقمي التابعة لإدارة القيادة والتحكم والاتصالات والحوسبة والاستخبارات (C4i) ودائرة الدفاع السيبراني، المسؤولين عن تقييم احتياجات المقاتلين، وتحديد فجوات الإمكانات، وتقديم الحلول القائمة على البرامج. لقد أمضت الإدارة ما يقرب من ثلاث سنوات في تطوير إطار عمل شبكة العمليات المشتركة لجيش الدفاع الإسرائيلي (IDF) ضمن إطار برنامج مومنتم (Momentum)، بناءً على العمل المبكر لقسم العمليات التشغيلية الرقمية، الذي يجمع طاقمًا من الضباط ذوي الخبرة القيادية في الوحدات العملياتية من جميع فروع الخدمة في جيش الدفاع الإسرائيلي (IDF). وفي نفس الدائرة، فقد لعب فرع آخر يعرف باسم سيجما (Sigma) دورًا فعالًا، حيث أن سيجما (Sigma) هو المسؤول عن البحث والتكيف وتنفيذ الاختراقات في مجال الذكاء الاصطناعي (AI) والتكنولوجيات الرقمية لضمان بقاء جيش الدفاع الإسرائيلي (IDF) في طليعة ما توفره هذه التكنولوجيات (IDF 2017). لتوجيه تجارب جيش الدفاع الإسرائيلي (IDF) واختباره لعوامل تمكين الذكاء الاصطناعي (AI) وإمكانات التكنولوجيا الرقمية، فقد قدمت سيجما نموذجًا تعليميًا – كما هو موضح في الشكل 2 – حول الاستخدام العسكري للذكاء الاصطناعي (AI) وذلك من خلال ثلاث فئات: الاستخبارات الوصفية، والاستخبارات التنبؤية، واستخبارات صُنع القرار.

الشكل 7.2: نموذج سيجما (Sigma) التعليمي لتطبيقات الذكاء الاصطناعي (AI)

 في الفترة التي سبقت صياغة برنامج مومنتم (Momentum) متعدد السنوات لبناء القوة، فقد اجتمع كل اللواءات والعمداء عبر فروع ودوائر الخدمة في جيش الدفاع الإسرائيلي (IDF) في مجموعات تخطيط لعمل مناقشات مطولة حول نقاط القوة العملياتية، وفجوات الإمكانات، والتحولات المستقبلية اللازمة لجيش الدفاع الإسرائيلي (IDF). وقد أدى هذا التأمل العميق إلى عدة مخرجات لتوجيه الاستراتيجية المستقبلية، مع التأكيد بوضوح على الحاجة إلى ضغط الجداول الزمنية العملياتية وتنفيذ التأثيرات التي تعتمد على استغلال العمليات المشتركة القائمة على الشبكة وذلك على نطاق واسع. إن الحصول على موافقة كبار الضباط الذين لم ينشئوا في العصر الرقمي تمثل تحديًا ثقافيًا هامًا (Frantzman, 2022b). لقد تم تخصيص الذكاء الاصطناعي (AI) كعامل تمكين حيوي لنقل جيش الدفاع الإسرائيلي (IDF) إلى عصر رقمي جديد. ولضمان التماسك على المدى الطويل، فقد عالجت شركة مومنتم (Momentum) مخاطر الأساليب المتباينة عن طريق إنشاء قسم للتحول الرقمي مكلف بمواءمة البنية التحتية مع المعايير الرقمية المشتركة بحيث أن كل تطبيق جديد مُقدم يكون ذات بنية سحابية وتكون أي أنظمة جديدة ذات كفاءة طيفية (Frantzman, 2022b).

 

وكجزء من تطورها، فإن استراتيجية جيش الدفاع الإسرائيلي (IDF) المحدثة – وبعضها متاح للعامة – قد دعت إلى التعاون مع العديد من الشركات الناشئة ومقدمي التكنولوجيا لتحقيق أهداف التحول (Frantzman, 2022a). لقد تبنت هذه الاستراتيجية المحدثة نهجًا متعدد الفروع ومتعدد القيادة.

 

 واستشرافًا للمستقبل، فسيتحدى الذكاء الاصطناعي (AI) الأساليب التقليدية في الحروب: وبحسب تقدير قادة جيش الدفاع الإسرائيلي (IDF) فإن الأمر مجرد مسألة وقت ستصل في نهاية المطاف إلى استبدال الطيارين المقاتلين بالكامل بأنظمة غير مأهولة (Bob, 2023). ويتماشى ذلك مع التوقعات في أماكن أخرى بأن الطائرة المقاتلة F-35 قد تكون آخر طائرة مقاتلة رئيسية تعتمد على طيارين من العنصر البشري. وفي الوقت نفسه، فإن الآثار الأخلاقية المترتبة على إزالة السيطرة البشرية وحكمه على قرارات الحياة أو الموت تتعارض مع قيم جيش الدفاع الإسرائيلي (IDF) الحالية (بوب، 2023). لذلك، حتى مع دمج الذكاء الاصطناعي (AI) في سلاسل القتل، فإن عملية صنع القرار ستظل وبقوة تحت سيطرة العنصر البشري داخل المنظومة. إن نهج جيش الدفاع الإسرائيلي (IDF) تجاه الذكاء الاصطناعي (AI) سيستمر في الارتكاز على توظيف الذكاء الاصطناعي (AI) في استغلال البيانات الضخمة وتوليد معلومات استخباراتية عالية الجودة وقابلة للتنفيذ بسرعة أكبر مما هي عليه. وبهذه الطريقة، فإن الذكاء الاصطناعي (AI) سيكون كعامل تمكين للإمكانات، ومضاعف للقوة، ونظام لدعم القرار للقادة والمشغلين – ولكن ليس كبديل لعملية صنع القرار البشري، ولا سيما عندما يتعلق الأمر بتفعيل قوة الإطلاق الناري.

الخاتمة

بعد اتباع مبادرات مختلفة لتبني وتكييف الذكاء الاصطناعي (AI) والتكنولوجيات الرقمية الجديدة في جيش الدفاع الإسرائيلي (IDF) على مدى السنوات العديدة الماضية، فيجري حاليًا تنفيذ برامج مختلفة تركز على ضغط الجداول الزمنية بين أجهزة الاستشعار وأجهزة الإطلاق. وقد تجلت بعض نتائج هذه الجهود في “عربات النار” (Chariots of Fire)، والتي تُعد أكبر مناورة حربية أجراها جيش الدفاع الإسرائيلي (IDF) منذ عقود، في مايو 2022.  لقد طورت إسرائيل إطارًا استراتيجيًا لتحديد كيف يمكن للأنظمة المدعومة بالذكاء الاصطناعي (AI) أن توفر متطلبات القتال المستقبلية، وذلك عن طريق خلق الآليات اللازمة مع الأفراد والعمليات للتكيف واختبار ودمج التكنولوجيات الرقمية الجديدة. لقد كشف بحث جيش الدفاع الإسرائيلي (IDF) عن الحل المقدم على مستوى المؤسسات عن الإمكانات الهائلة للذكاء الاصطناعي (AI) في دعم معالجة واستغلال البيانات الضخمة. ومن خلال دوره القوي في دمج قواعد البيانات الضخمة والمصنفة، فسيساعد الذكاء الاصطناعي (AI) في تحديد التهديدات والأنماط في وقت مبكر وسيولد رؤى عملياتية حاسمة تدعم التخطيط والتنفيذ. ومن هذا المنطلق، فإن جيش الدفاع الإسرائيلي ينظر إلى الذكاء الاصطناعي (AI) على أنه أمر حاسم في زيادة الفجوة النوعية ضد الأعداء وذلك بعد سنوات عديدة تمكنت فيها التهديدات من تحدي تفوق قوة جيش الدفاع الإسرائيلي (IDF) بوسائل غير متماثلة.

لقد طورت إسرائيل إطارًا استراتيجيًا لتحديد كيف يمكن للأنظمة المدعومة بالذكاء الاصطناعي (AI) أن توفر متطلبات القتال المستقبلية، وذلك عن طريق خلق الآليات اللازمة مع الأفراد والعمليات للتكيف واختبار ودمج التكنولوجيات الرقمية الجديدة.

– ياكوف لابين

 لقد حقق جيش الدفاع الإسرائيلي (IDF) تقدمًا كبيرًا من خلال برنامج مومنتم (Momentum)، حيث وضع الأساس لبرنامج متابعة متعدد السنوات يسمى معالوت (Ma’alot)، أو “الصعود”، والذي يهدف إلى توسيع القدرة الوظيفية والمرونة في شبكته القتالية المشتركة سريعة التقدم. وفي الوقت نفسه، فإن القوات الجوية الإسرائيلية تمضي قدمًا في استغلال الذكاء الاصطناعي (AI) ضمن مصفوفة متزايدة من المهام والعمليات التشغيلية، وتحسين قدرات الاستهداف، وتطوير بنية خدمة قيادة وتحكم (C2) مشتركة متعددة المجال. لقد ضم المؤتمر الدولي الافتتاحي للابتكار العملياتي الذي عقده جيش الدفاع الإسرائيلي (IDF) سبتمبر 2022 في قاعدة تزيليم (Tze’elim) جنوب إسرائيل، أكثر من 200 مشارك دولي من 24 وفدًا عسكريًا، مما يعكس الاهتمام المتزايد من الحلفاء والأصدقاء الدوليين بعمل إسرائيل الرائد لمواجهة تحديات الحرب المستقبلية (Lappin 2022). على الرغم من التقدم المحقق في مجال الذكاء الاصطناعي AI))، فسيظل جيش الدفاع الإسرائيلي (IDF) ملتزمًا بالرقابة البشرية في عملية صنع القرار العملياتي، مع التركيز على الفائدة المتزايدة للذكاء الاصطناعي (AI) كعامل تمكين للإمكانات وليس بديلاً لعملية صنع القرار البشري. وفي ظل تزايد أهمية التفاعل بين العنصر البشري والآلة ومع تزايد استخدام الذكاء الاصطناعي (AI)، فإن جيش الدفاع الإسرائيلي (IDF) سيركز على تحسين التآزر بين العنصر البشري والآلة لتحقيق المرونة والفعالية التشغيلية التي وعدت بها المفاهيم القتالية التعاونية.

المراجع

Table of Contents

Read More

إن النمو المتسارع للفضاء التجاري يضعه في طليعة الابتكار والأنشطة المتعلقة بالتوسع في استخدام الفضاء. يُوجد الكثير من المكاسب التي تستطيع الجيوش الحصول عليها من الفضاء التجاري، وذلك لأن الجيوش تحاول استخراج كامل الإمكانات الكامنة الممكنة التي قد يوفرها الفضاء للنشاط العسكري، ولكن ذلك سيجلب أيضًا ديناميكيات جديدة في المنافسة على الهيمنة.

د. مالكولم ديفيس (Dr. Malcolm Davis)- كبير محللي - معهد السياسة الإستراتيجية الاسترالي - استراليا

إن مجال الفضاء هو الذي يمكنه فقط نقل المعلومات بالسرعة والحجم والمدى المطلوب للبنية الفعالة للقيادة والسيطرة المشتركة في جميع المجالات (JADC2). إن الإمكانات الفضائية الأساسية ستكون مطلبًا ضروريًا إذا كانت الولايات المتحدة تأمل في تحقيق النصر في صراع الأقران. إن وزارة الدفاع وقوات الفضاء يجب عليهما إعطاء الأولوية لطبقة نقل فضائية قوية وأجهزة استشعار وتفوق فضائي لحماية هذه الإمكانات.

تيم رايان (Tim Ryan)- زميل مقيم أول في مجال دراسات القوة الفضائية - معهد ميتشل - الولايات المتحدة

تعتمد العمليات متعددة المجال على مجال الفضاء كآداة تمكين “حاسمة” ويتطلب ذلك خبرة في مجال الفضاء على المستوى الميداني. يجب صقل كادر جديد من المتخصصين في الفضاء لاستغلال عناصر التمكين الفضائية، حيث يستدعى ذلك أن يضع قادة القوات الجوية المتطلبات التدريبية مع البدء في تطوير مسارات وظيفية لضباط الفضاء العسكري.

بيتر جاريتسون (Peter Garretson)- بيتر جاريتسون زميل أقدم ومدير مشارك في مبادرة سياسة الفضاء - مجلس السياسة الخارجية الأمريكية - الولايات المتحدة

يعيد الجيل الخامس من الحروب الجوية كتابة ربط القوة الجوية من خلال الجمع بين جميع مكونات العمليات الجوية سويًا. إن الجيل الخامس من القيادة والسيطرة (C2) سيعتمد على العوامل البشرية وقدرة قادة القوات الجوية ومرؤوسيهم على التكيف مع أساليب العمل الجديدة. إن القوات الجوية ستحتاج إلى قادة قادرين على التدريب على أساليب جديدة للتفكير وصقل الثقة.

روبرت فاين (Robert Vine)- قائد سرب (متقاعد) - في سلاح الجو الملكي الأسترالي - مستشار عسكري مستقل - أستراليا