Search
Close this search box.

تداعيات الفضاء التجاري: التحول من مجرد عنصر تمكين للقدرة العسكرية إلى إدخال ديناميكيات جديدة في المنافسة

د. مالكولم ديفيس (Dr. Malcolm Davis)- كبير محللي - معهد السياسة الإستراتيجية الاسترالي - استراليا

Abstract

إن النمو المتسارع للفضاء التجاري يضعه في طليعة الابتكار وأنشطة التوسع في استخدام الفضاء. يُوجد الكثير من المكاسب التي تستطيع الجيوش تحقيقها من الفضاء التجاري، فمازالت الجيوش تسعي لاستخراج كامل الإمكانات الكامنة التي يمكن للفضاء تحقيقها للنشاط العسكري. يُعطي الصراع في أوكرانيا لمحة عن هذه الإمكانات المستقبلية الممكنة والمسارات الناشئة، وذلك مع التشديد على دور الشركاء التجاريين مثل شركة SpaceX. ستحتاج الجيوش إلى تعزيز المرونة والردع في الفضاء، وذلك نظرًا للتطور التدريجي للفضاء في الإطلاق الشبكي للنار وعلى مستوى المناورة بمدى وسرعة ليس لهما مثيل. إن الفضاء التجاري يتحرك بسرعة ليخلق بنية فضائية موزعة، ولكن طموحاته تتجاوز ما هو أبعد من بيئة الأرض والقمر، ليشمل ذلك القواعد والمنشآت وإمكانية التصنيع على مستوى المدارات الفلكية. وبهذه الطريقة، فقد يوفر اقتصاد الفضاء التجاري وسائل للجيوش العسكرية تستطيع خلالها استخدام الفضاء بشكل أكثر فعالية، ولكن سيترتب على ذلك ظهور ديناميكيات جديدة في التنافس على الهيمنة المستقبلية.

The Author

د. مالكولم ديفيس(Dr. Malcolm Davis) انضم إلى معهد السياسة الإستراتيجية الاسترالي (ASPI)، حيث عمل كبير محللين في استراتيجية وإمكانات الدفاع، وذلك عام 2016، وذلك بعد أن عمل زميل أبحاث ما بعد الدكتوراه في العلاقات الغربية – الصينية في جامعة بوند – استراليا. لقد عمل مع وزارة الدفاع الأسترالية، في مقر البحرية في مجال الإستراتيجية وهيكل القوة، وكذلك مع قسم السياسة الإستراتيجية في توجيه السياسة الإستراتيجية وأقسام التعليم والعلاقات الخارجية الإستراتيجية. في السابق، عمل د. ديفيس محاضرًا في الدراسات الدفاعية في كلية كينجز كوليدج لندن في كلية قيادة الخدمات المشتركة والأركان في شريفنهام – المملكة المتحدة. وهو حاصل على درجة الدكتوراه في الدراسات الاستراتيجية من جامعة هال (Hull) بالإضافة إلى درجتيّ ماجستير في الدراسات الاستراتيجية.

شركة SpaceX

عندما بدأ الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022، كانت أحد ردود الفعل الفورية للحكومة في كييف أن تتقارب مع شركة الفضاء التجاري SpaceX للوصول إلى كوكبة الأقمار الاصطناعية الضخمة واسعة النطاق “Starlink”. وعلى إثره وبسرعة فقد استجاب إيلون ماسك (Elon Musk) الرئيس التنفيذي ومؤسس شركة SpaceX، حيث أتاحت هذه الأقمار الاصطناعية للاستخدام، كما أرسل المحطات الطرفية إلى أوكرانيا بما يؤمن الاتصالات وتبادل البيانات لصالح الجيش الأوكراني في مواجهة العمليات العسكرية الروسية (Vinion, 2022). ساعد استخدام أوكرانيا لكوكبة الأقمار الاصطناعية الضخمة واسعة النطاق “Starlink” على توفير اتصالات آمنة عالية السرعة لجيشها بالإضافة إلى الدور الحاسم في استجاباتها على مستوى العمليات (Miller, Scott and Bender, 2022). لم تنجح جهود روسيا في التشويش على كوكبة الأقمار الاصطناعية الضخمة واسعة النطاق “Starlink” حتى حينه (Insinna, 2022)، لكن موسكو زعمت لاحقًا أن إمكانات الفضاء التجاري هي هدف مباح لهجمات الفضاء المضادة (Bingen and Johnson, 2022).

 

 إن كوكبة الأقمار الاصطناعية الضخمة واسعة النطاق “Starlink” التي تستخدمها أوكرانيا تُعتبر مثالًا يعزز من أهمية تطويرات الفضاء التجاري على نطاق واسع ويبرز إمكاناته المتزايدة في دعم العمليات العسكرية على وجه الخصوص. لقد بدا جليًا التوجه المستقبلي لتوسع الجيوش في استخدامها للفضاء التجاري وذلك في ظل النمو السريع للفضاء التجاري، والتنبؤات بأن اقتصاد الفضاء العالمي قد يتجاوز تريليون دولار أمريكي بحلول عام 2040، والذي سيشكل فيه الفضاء التجاري غالبية نشاط الفضاء (Morgan Stanley, n.d). إن تطور سوق الفضاء يُحركه أشكال جديدة من الإمكانات الفضائية. إن كوكبة الأقمار الاصطناعية الضخمة تتطلب إمكانية الوصول السريع منخفض التكاليف للفضاء لنشر أعداد كبيرة من الأقمار الاصطناعية بتكلفة زهيدة، ومن ثم استدامة هذه الكوكبة مع مزيد من عمليات الإطلاق. إن تلبية هذه الاحتياجات تكون من خلال تكنولوجيات الإطلاق القابلة لإعادة الاستخدام، ومنها الصواريخ القابلة لإعادة الاستخدام الكامل مثل SpaceX’s Starship Super Heavy، والتي تهدف إلى خفض تكاليف الإطلاق إلى ما بين مليوني دولار أمريكي و10 ملايين دولار أمريكي لعملية الإطلاق الواحدة (Manin, 2020).

الشكل 4.1: انخفاض تكاليف الإطلاق إلى الفضاء (CSIS, 2022)

 إن إمكانات الإطلاق القابلة لإعادة الاستخدام الكامل مثل Starship – والتي تقع في الطرف الآخر من طيف قدرات الإطلاق – لديها القدرة على نقل ما يصل إلى 100 طن إلى مدار أرضي منخفض (LEO) وذلك بتكاليف منخفضة على النقيض من التعزيزات الكبيرة القابلة للاستهلاك، والموجودة في نظام الإطلاق الفضائي (SLS) التابع لوكالة ناسا الفضائية بسعر 4 مليارات دولار أمريكي لعملية الإطلاق الواحدة وذلك بمعدل إطلاق مرة واحدة سنويًا في أحسن الأحوال (Berger, 2022). إن فارق التكلفة وإيقاع الإطلاق السريع الذي توفره قابلية إعادة الاستخدام الكامل يتيح الفرصة لنشر حمولات كبيرة أو أعداد كبيرة من الأقمار الاصطناعية الصغيرة التي يمكن أن تدعم نمو واستدامة كوكبة الأقمار الاصطناعية الضخمة. كما أنها توفر إمكانية التحديث المنتظم للكوكبات للتأكد من أن إمكانات المدار لديها القدرة على مواكبة الابتكار التكنولوجي السريع والاختراقات المتكررة. إن الفضاء التجاري سيفتح الطريق أمام الإطلاق منخفض التكلفة مما يسرع من زيادة كوكبات الأقمار الاصطناعية الضخمة، وهو أمر قد لا يكون مبالغ فيه مستقبلًا.

التوجه نحو الكوكبات الضخمة

إن التوسع في استخدام الأنظمة المستقلة مع المركبات الجوية بدون طيار (UAVs) والمركبات على سطح الماء بدون قبطان (USVs) والمركبات تحت الماء بدون ربان (UUVs) والمركبات الأرضية بدون سائق (UGVs) تظهر كعنصرًا تتزايد أهميته في العمليات العسكرية. يُنظر إلى الصراع في أوكرانيا بأنه الحرب الأولى التي لعبت فيها الأنظمة المستقلة دورًا حيويًا، وذلك بدايةً من الطائرات الصغيرة بدون طيار والمتاحة تجاريًا وحتى الطائرات القتالية بدون طيار من الدرجة العسكرية مثل الطائرات التركية طراز TB2 Bayraktar وحتى الطائرات الانتحارية بدون طيار مثل الطائرات الأمريكية الصنع طراز Switchblade 300 and 600 (Roblin, 2022).  لقد استخدمت أوكرانيا كذلك في البحر “زوارق بدون ربان” محملة بالمتفجرات لمهاجمة أهداف بحرية (Rogoway, 2022). على الرغم من أن استخدام الأنظمة المستقلة في ساحة المعركة سيحافظ في الأغلب على رغبة الإنسان نحو التوسع في هذا الاتجاه “في هذه الدائرة” مستقبلًا، إلا أن استخدام Starlink فوق أوكرانيا تُعد نظرة حالية لما سيكون عليه الوضع مستقبلًا. إن الاستخدام المتزايد للأنظمة المستقلة ودمجها مع التطور في الذكاء الاصطناعي (AI) والذي يشير إليه الصينيون باسم “الحرب الذكية”، يفتح أساليب جديدة للحرب اللاتلامسية حيث الحرائق بعيدة المدى التي تجسدها أنظمة مثل نظام الصاروخ المدفعي عالي الحركة (M-142 HIMARS)، والذي لديه القدرة على توجيه النيران بدقة عالية من مسافات شاسعة.

 

 سيتسم المستقبل بإدخال أنظمة مستقلة بأعداد أكبر في صورة “أسراب” للتغلب على الأنظمة الدفاعية للخصم. إن مفهوم أسراب الطائرات بدون طيار ليس مفهومًا جديدًا: لقد تحدث مارتن سي ليبيكي (Martin C. Libicki) عام 1995 عن تطوير شبكات ساحة المعركة وشن “حرب النمل النارية” في كتابه “The Mesh and the Net: Speculations on armed conflict in a time of free silicon”. تحدث ليبيكي (Libicki) عن “… شبكات ساحة المعركة بأنها تتكون من ملايين أجهزة الاستشعار، والبواعث، والنقاط الفرعية المخصصة لمهمة تقفي أي أثر مريب وتقدير خطورته وموقعه لأغراض الاستهداف ” (1995). إن التعقيد المتزايد للحرب ولا سيما على مستوى القيادة والتحكم (C2) لأعداد كبيرة من الأنظمة المستقلة في مناطق جغرافية كبيرة سيتطلب توفير نطاقات ترددية عالية بالاعتماد على اتصالات موثوقة وآمنة عبر الأقمار الاصطناعية (SATCOM). إن الاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية (SATCOM) ستتيح إمكانية توظيف أعداد كبيرة من الأنظمة المستقلة والعمليات متعددة المجال (MDO) وذلك باستخدام كوكبات ضخمة من هذه الأقمار على المدار الأرضي المنخفض (LEO) والمدار الأرضي المتوسط (MEO) ولكن بدون التكلفة الباهظة للأقمار الاصطناعية الكبيرة الهائلة داخل المدار الأرضي الجغرافي المتزامن (GEO).

 

 وبنفس الطريقة التي ستوفر بها كوكبات الأقمار الاصطناعية الضخمة اتصالات واسعة النطاق في ساحة المعركة، فيمكنها كذلك توفير مراقبة شاملة للأرض باستخدام أطوال موجية متعددة لاكتشاف وتحديد وتتبع الخصوم على الأرض أو في البحر أو في الجو. سواء كانت المراقبة واسعة النطاق من الفضاء أو من “الفضاء القريب” حيث نطاق عمل الطائرات بدون طيار (UAVs) على ارتفاعات عالية، فإنه لمن المؤكد أن الاتصال بالاعتماد على الاتصالات المرنة باستخدام لأقمار الاصطناعية (SATCOM) سيكون أمرًا ضروريًا. إن القدرة الموجودة لدى كوكبات الأقمار الاصطناعية التجارية الضخمة في مراقبة الأرض وكذلك الاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية (SATCOM) سيوفروا الفرصة للقوى العسكرية الأصغر والناشئة لاكتساب الإمكانات لدعم المجالات الجوية والبحرية والبرية والمشتركة ومتعددة المجال. بدلاً من إنفاق مليارات الدولارات على منصات حربية جوية وبحرية وبرية معقدة، فإن استخدام البُنى الموزعة في الفضاء التجاري قد يتيح إمكانية الربط والتوصيل مع مرونة إطلاق النار على مدى واسع. وبناء على ما سبق، فسيتم فتح إمكانيات جديدة من القدرات التي يمكن للفضاء إتاحتها للجيوش، مما يسهل تطور الأجيال للوصول إلى مستوى الإطلاق الشبكي للنار والمناورة في ظل تزايد استخدام الأنظمة المستقلة.

إن القدرة الموجودة لدى كوكبات الأقمار الاصطناعية التجارية الضخمة في مراقبة الأرض وكذلك الاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية (SATCOM) سيوفروا الفرصة للقوى العسكرية الأصغر والناشئة لاكتساب الإمكانات لدعم المجالات الجوية والبحرية والبرية والمشتركة ومتعددة المجال.

– د. مالكولم ديفيس

مجال العمليات والقتال

إن مجال الفضاء كأحد المجالات الناشئة لربما يعتبر أهم مجال للعمليات العسكرية إلا أنه لازالت هناك مشكلة متزايدة وهي عدم وجود الموثوقية في الفضاء وإمكانياته على القتال السريع والمفاجأة والدقة في جميع المجالات التشغيلية الأخرى، بما في ذلك الفضاء الإلكتروني – والتي ستكون قائمة بشكل كبير على الفضاء لإتاحة “نطاق واسع في السماء” كبديل للإنترنت القائم على الكابل البحري. بالنظر إلى هذا الاعتماد العسكري المتزايد على الإمكانات الفضائية – بما في ذلك تلك الإمكانات الممكنة حاليًا من خلال الفضاء التجاري – فمن المرجح أن يتحول مجال الفضاء بسرعة من كونه مجالًا تشغيليًا فحسب إلى مجال قتال متقدم، أو حتى على رأس الصراعات الكبيرة مستقبلًا. يتزايد التنازع على الفضاء نظرًا لأن عددًا من الدول تسعى وراء الإمكانات المضادة أو المقاومة للأقمار الاصطناعية (ASAT) بتطوير أنظمة القتل الحركي المباشر، و”القتل الناعم” المداري المشترك وأنظمة “القتل الناعم” الأرضية (Weeden and Sampson, 2022). إن الاعتماد على البنية التقليدية للأقمار الاصطناعية القائمة على أعداد صغيرة من الأقمار الاصطناعية الكبيرة والهائلة سيجعل المستخدمين أكثر عرضة للتهديدات الناشئة عن مضادات الفضاء.

 

 قد يتسبب “ميناء بيرل هاربور الفضائي” في حدوث فشل ذريع في الدعم الفضائي أو منع الوصول الحاسم للإمكانات الفضائية – فعلى سبيل المثال – قد يؤدي ذلك إلى تآكل فعالية العمليات العسكرية والأنظمة المستقلة بمعدل سريع. وبالتالي، فإن منع الوصول إلى الفضاء، وعمل “يوم بلا فضاء”، قد يكون وسيلة لتحقيق ميزة في معركة الفضاء ضد الخصوم الذين يعتمدون بشكل حاسم على الإمكانات الممكّنة للفضاء، وهو ما يؤكد على أهمية موثوقية الوصول للفضاء وإمكاناته المرنة. يمكن حل التحدي المتمثل في موثوقية الوصول جزئيًا عن طريق زيادة الاعتماد على الفضاء التجاري وكوكباته الضخمة لتعزيز الردع الفضائي من خلال منع الوصول والمرونة. يندرج الردع الفضائي جنبًا إلى جنب مع الجهود الدبلوماسية والقانونية لتقييد تسليح الفضاء ووضع معايير للمساءلة عن السلوك (Davis, 2022). في حين أن هذه الجهود مهمة ونأمل أن تحقق النجاح، إلا أنه لا يمكن الجزم بأن جميع الدول ستفي بالتزاماتها القانونية والتنظيمية، أو ستلتزم دائمًا بمعايير المسائلة عن السلوك. لذلك يجب أن تظل التدابير القانونية والتنظيمية مدعومة بردع فعال وموثوق في الفضاء لتقليل محفزات الأنشطة العدائية.

 

يجب أن يركز الاستثمار في الإمكانات الفضائية المرنة على تحقيق بُنى منفصلة وموزعة للحد من الفعالية المحتملة لأي حملة من مضادات الفضاء. إن استخدام الإطلاق الفضائي التجاري – بما في ذلك مركبات الإطلاق القابلة لإعادة الاستخدام بالكامل وبحمولة عالية إلى المدار – سيوفروا إعادة التشكيل السريع لإمكانات الفضاء المفقودة، وتعزيز الردع بالاعتماد على المرونة في حالة فشل الردع بالمنع. إن الجمع بين هذه الجهود، قد يجعل الدول قادرة على توظيف الفضاء التجاري بأساليب قد تحد من خطر تحول الفضاء إلى مجال قتال حربي مع توفير استدامة الوصول إلى الفضاء حتى وإن تم ذلك بالاعتماد على أسلحة الفضاء المضاد – وهي استراتيجية قد تكون حاسمة للانتصار في النزاعات المستقبلية. إن الفرصة المتوفرة من “صغر الحجم، والكثرة، ورخص الثمن”، نتيجة الإطلاق السريع المنتظم منخفض التكاليف، ستحول نموذج الأعمال التجارية للفضاء وطبيعته ليصبح مجالًا تشغيليًا للجيوش. وبالرغم من ذلك، فإن “التحول الديمقراطي” للفضاء يسمح أيضًا لعدد أكبر من الجهات الفاعلة بالوصول إلى الفضاء، وامتلاك الأقمار الاصطناعية وتشغيلها والوصول إلى إمكانات الإطلاق الفضائي السيادية أو تطويرها. نتيجة لذلك، وبالإضافة إلى ازدياد التزاحم والتنافس في الفضاء، فقد أصبحت المنافسة على مستوى الأنشطة المتعلقة بالفضاء أكثر تعقيدًا وذات منافسة شرسة بهدف التطوير نحو المستقبل. 

الاتجاه نحو القمر وفضاء القمر

مع ظهور إمكانات فضائية جديدة بسبب انخفاض تكلفة الوصول إلى الفضاء، فهناك أنواع جديدة من الأنشطة التجارية يتم فتحها في المنطقة بين المدار الأرضي المنخفض (LEO) والمدار الجغرافي الأرضي المتزامن GEO))، وما وراءهما وصولًا إلى الفضاء القمري. إن الحقبة التالية لأنشطة العنصر البشري في الفضاء ستمتد إلى ما وراء الفضاء التقليدي “القريب من الأرض” للمدار الأرضي المنخفض (LEO) وذلك لأن الفضاء التجاري سيستكشف ويصقل اقتصاد فضائي جديد يمتد من خط كرمان (Karman) وصولًا إلى سطح القمر. ومع مرور الوقت، قد يؤدي ذلك إلى زيادة التنافس بين القوى العظمى في هذه المساحة الشاسعة من الفضاء. لا زالت الجدالات جارية فيما يخص أهمية المجال بين الأرض والقمر – حيث تتماثل المنطقة بين المدار الجغرافي الأرضي المتزامن (GEO) والمدار القمري مع منطقة “المياه الزرقاء” البحرية، وذلك مقارنة مع المنطقة بين المدار الأرضي المنخفض (LEO) ومنطقة “المياه البنية” في المدار الجغرافي الأرضي المتزامن (GEO). إن المدافعين عن نهج المياه البنية، مثل Bleddyn Bowen (2020)، لازالوا يتجاهلون أهمية القمر والفضاء القمري، كما يتجاهلون تمامًا فكرة “الأرض المرتفعة” في الفضاء. يجادل مؤيدو منظور “المياه الزرقاء’‘، مثل Namrata Goswami and Peter Garretson، بأن التوسع في الفضاء التجاري، وعودة البشر إلى القمر والفضاء القمري في عشرينيات وثلاثينيات القرن الحالي سيستحدث حقبة جديدة من المنافسة الاستراتيجية والعسكرية في الفضاء بين الولايات المتحدة والصين في المنطقة من خط كارمان (Karman) إلى القمر وما بعدها (Goswami and Garretson, 2020).

الشكل 4.2: البيئة بين الأرض والقمر

 نظرًا لأن الأنشطة الفضائية الأمريكية تتمحور من المدار الأرضي المنخفض (LEO) إلى القمر مدعومة بالإمكانات الفضائية التجارية، فإن خطط الصين لاستكشاف القمر مبنية على تصور التواجد المستقل في بداية الأمر وبعدها يبدأ تواجد العنصر البشري على سطح القمر في منتصف عام 2030 – مع التركيز مرة أخرى على استخدام الموارد الفضائية – وإنشاء اقتصاد الفضاء القمري (Goswami, 2022). لا تزال أهمية المنطقة فوق المدار الجغرافي الأرضي المتزامن   “super-GEO” في منطقة الفضاء القمري غير واضحة للجهات العسكرية الفاعلة، حيث أن ظهور أنواع جديدة من الإمكانات الفضائية لفتح النشاط لمثل هذه النطاقات سيستغرق بعض الوقت. بحسب المقاييس الزمنية التقليدية لبرامج الفضاء التي تديرها الدولة مثل وكالة ناسا الفضائية أو وكالة الفضاء الأوروبية ESA))، فإن هذه السيناريو قد يحتاج عدة عقود للظهور. لكن على النقيض، فإن الفضاء التجاري لديه الأفضلية في احتضان الابتكار والتطور السريع. كما يتضح كذلك أنه غير مقيد بالمنطقة القريبة من الأرض. إن الهدف الرئيسي الذي يدفع الفضاء التجاري هو الرغبة في استغلال الموارد القمرية للتصنيع في الفضاء واستدامة نشاط العنصر البشري على سطح القمر وما حوله. أثناء كتابة هذه الورقة البحثية، تعود رحلة أرتيميس 1 (Artemis I) التابعة لناسا من مدار خلفي بعيد عن القمر، حيث أنه من المخطط كذلك إيفاد بعثات متتابعة لاحقة أخرى لأرتيميس (Artemis) مما سيساعد على عودة العنصر البشري إلى سطح القمر مرة أخرى ربما في وقت مبكر من عام 2025. يعتمد أرتميس (Artemis) على الفضاء التجاري بهدف إنزال رواد فضاء على سطح القمر، حيث سيلعب الفضاء التجاري دورًا متزايدًا في دعم بعثات متتالية على أمل تحقيق التواجد الدائم على سطح القمر بحلول نهاية العقد الحالي.

 

 يتم حاليًا اختبار التصنيع في الفضاء على مستوى محدود داخل محطة الفضاء الدولية (ISS) فقط. وبالرغم من ذلك، فإن نقل التصنيع في الفضاء إلى القمر سيتيح إمكانية استغلال قاعدة كبيرة جدا من الموارد بالإضافة إلى نشر منشآت إنتاجية على مستوى أكبر، مما يضع لبنة الأساس لتطوير الطاقة الشمسية الفضائية والقواعد القمرية والمنشآت المدارية على نطاق أكبر (Donnellon-May, 2022). وإذا نجح ذلك، فسيكون من الممكن بناء أقمار اصطناعية في الفضاء بدلاً من إطلاقها من على الأرض، أو على الأقل، فإن إمكانية استخدام الموارد الموجودة على القمر كمواد خام للتصنيع قد تزداد في النشاط الصناعي على القمر وما حوله. قد تظهر أنشطة جديدة مثل الوعي بمجال الفضاء القمري، والتفتيش، وإمدادات الوقود على المستوى المداري وتوفير الإمدادات كجزء من اقتصاد الفضاء المستقبلي (Buehler et al., 2021). إن النجاح في استغلال موارد الفضاء سيُنذر بعصر جديد  عن استكشاف الإنسان للفضاء ولكن سيكون له كذلك تداعيات خاصة على الجيوش. لا يوجد “سباق فضائي” بالمعنى التقليدي، ولكن هناك تبلور لتنافس استراتيجي وتجاري مطول وموسّع لإثبات التواجد والحضور والوصول إلى الموارد ووسائل التهيئة والتحكم في الهياكل التنظيمية الناشئة المتعلقة بإدارة الفضاء. 

في الوقت الذي تسعى فيه الجهات الوطنية الفاعلة لتلعب دورًا فعالًا وخصوصًا مع تبلور “قوى الفضاء”، فإن الفضاء التجاري سيأتي في طليعة الاستخدام الموسع للفضاء.

– د. مالكولم ديفيس

المسار الفضائي

 لقد أدى نمو الإمكانات الفضائية وانتشار الجهات الفاعلة في الفضاء إلى التحول في أسلوب سير العمليات العسكرية واستخدام القوة. لقد تسارعت وتيرة هذا الاتجاه منذ ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، حيث وُصفت حرب الخليج عام 1991 على أنها “حرب الفضاء الأولى” باقتدار وذلك لأن التحالف العسكري الذي قادته الولايات المتحدة حينها قد اعتمد بشكل كبير على إمكانات الفضاء لإجراء مجموعة من العمليات والغارات البرية خلال عاصفة الصحراء. إن اعتماد الجيوش على إمكانات الفضاء يتزايد حاليًا، حتى في ظل التحول بنفس القدر في الفضاء التجاري. إن الأهمية المتزايدة للفضاء كمجال تشغيلي في حد ذاته يدفع إلى تأسيس هياكل تنظيمية جديدة، بما في ذلك ظهور قوات وقيادات الفضاء المتخصصين (Department of Defence, 2022).  في الوقت الذي تسعى فيه الجهات الوطنية الفاعلة لتلعب دورًا فعالًا وخصوصًا مع تبلور “قوى الفضاء”، فإن الفضاء التجاري سيأتي في طليعة الاستخدام الموسع للفضاء. إن استخدام الأنظمة المستقلة كعناصر رئيسية للقتال المتسلسل سيعتمد مستقبلًا بشكل متزايد على الاتصالات الآمنة ذات النطاق الترددي العالي عبر الأقمار الاصطناعية (SATCOM). إن الاعتماد على بنية الفضاء الموزعة سيزداد بهدف دعم العمليات العسكرية في المجالات التقليدية. هذه الحلول ذات طبيعة تجارية في المقام الأول وسيكون الفضاء التجاري هو المسؤول عن بناء الأقمار الاصطناعية، وإطلاقها من خلال مركبات إطلاق تجارية قابلة لإعادة الاستخدام، بما يحافظ على كفاءة المدار.

 

سيتيح الفضاء التجاري إمكانية الابتعاد عن تلك الأعداد الهائلة من الأقمار الاصطناعية المعقدة الكبيرة الفخمة باهظة الثمن التي تشغلها الحكومات للتحول نحو تكنولوجيات الأقمار الاصطناعية الصغيرة المتطورة ولكن بتكاليف أقل ومنخفضة. إن انتشار الأقمار الاصطناعية الصغيرة ونمو الكوكبات الضخمة التي تضم آلاف الأقمار الاصطناعية سيصبح أمرًا حاسمًا في مجال الفضاء المتنازع عليه بشكل متزايد، وذلك نظرًا لإدخال تهديدات أكثر تعقيدًا من مضادات الفضاء التي ستواجهها الجيوش. سيلعب نمو الفضاء التجاري دورًا أساسيًا في إتاحة واتساع إمكانية الوصول إلى الفضاء، مع المنطقة ذات الأهمية الأكبر التي يشير إليها Bleddyn Bowen (2020) على أنها “الخط الساحلي الكوني” بين المدار الأرضي المنخفض (LEO) والمدار الجغرافي الأرضي المتزامن (GEO). علاوة على ذلك فسيكون الفضاء التجاري نشطًا على القمر وفي مناطق الفضاء القمري مع إمكانية استخدام الموارد الفضائية للتصنيع في الفضاء مستقبلًا. إن احتمالية ما يسميه إيفريت دولمان (Everett Dolman) (2022) “التنافس الاستراتيجي الفلكي” الناشئ سيؤثر في العقود القادمة على الديناميكيات المستقبلية للمنافسة العسكرية وسيزيد من تشكيل الأنشطة الفضائية. إنه لمن المحتمل مع زيادة نشاط العنصر البشري على القمر وما حوله – ربما بداية من منتصف الثلاثينيات فصاعدًا – أن تصبح إحدى سمات التنافس بين القوى العظمى في فرض الهيمنة على القمر والفضاء القمري كوسيلة لتحقيق القوة الإستراتيجية الفلكية.

المراجع

Table of Contents

Read More

إن النمو المتسارع للفضاء التجاري يضعه في طليعة الابتكار والأنشطة المتعلقة بالتوسع في استخدام الفضاء. يُوجد الكثير من المكاسب التي تستطيع الجيوش الحصول عليها من الفضاء التجاري، وذلك لأن الجيوش تحاول استخراج كامل الإمكانات الكامنة الممكنة التي قد يوفرها الفضاء للنشاط العسكري، ولكن ذلك سيجلب أيضًا ديناميكيات جديدة في المنافسة على الهيمنة.

د. مالكولم ديفيس (Dr. Malcolm Davis)- كبير محللي - معهد السياسة الإستراتيجية الاسترالي - استراليا

إن مجال الفضاء هو الذي يمكنه فقط نقل المعلومات بالسرعة والحجم والمدى المطلوب للبنية الفعالة للقيادة والسيطرة المشتركة في جميع المجالات (JADC2). إن الإمكانات الفضائية الأساسية ستكون مطلبًا ضروريًا إذا كانت الولايات المتحدة تأمل في تحقيق النصر في صراع الأقران. إن وزارة الدفاع وقوات الفضاء يجب عليهما إعطاء الأولوية لطبقة نقل فضائية قوية وأجهزة استشعار وتفوق فضائي لحماية هذه الإمكانات.

تيم رايان (Tim Ryan)- زميل مقيم أول في مجال دراسات القوة الفضائية - معهد ميتشل - الولايات المتحدة

تعتمد العمليات متعددة المجال على مجال الفضاء كآداة تمكين “حاسمة” ويتطلب ذلك خبرة في مجال الفضاء على المستوى الميداني. يجب صقل كادر جديد من المتخصصين في الفضاء لاستغلال عناصر التمكين الفضائية، حيث يستدعى ذلك أن يضع قادة القوات الجوية المتطلبات التدريبية مع البدء في تطوير مسارات وظيفية لضباط الفضاء العسكري.

بيتر جاريتسون (Peter Garretson)- بيتر جاريتسون زميل أقدم ومدير مشارك في مبادرة سياسة الفضاء - مجلس السياسة الخارجية الأمريكية - الولايات المتحدة

يعيد الجيل الخامس من الحروب الجوية كتابة ربط القوة الجوية من خلال الجمع بين جميع مكونات العمليات الجوية سويًا. إن الجيل الخامس من القيادة والسيطرة (C2) سيعتمد على العوامل البشرية وقدرة قادة القوات الجوية ومرؤوسيهم على التكيف مع أساليب العمل الجديدة. إن القوات الجوية ستحتاج إلى قادة قادرين على التدريب على أساليب جديدة للتفكير وصقل الثقة.

روبرت فاين (Robert Vine)- قائد سرب (متقاعد) - في سلاح الجو الملكي الأسترالي - مستشار عسكري مستقل - أستراليا