Search
Close this search box.

سلاح الجو في بيئة مضطربة تكنولوجياً: تحديات قيادة التغيير وضروراتها

د. بريان واترس (Dr. Bryan Watters OBE)- أستاذ مساعد إدارة الدفاع والقيادة - جامعة كرانفيلد - المملكة المتحدة

Abstract

في الوقت الذي يستجيب فيه سلاح الجو للبيئة المضطربة تكنولوجيًا، فيجب معالجة تحدى التكيف وحتمية قيادة التغيير مع ضرورة مراعاة الحصافة في التغلب على المعوقات الثقافية. إن التغيير تحدٍ بشري في حد ذاته على كونه مجرد إجراء، كما أن مواجهة تحدى التكيف تتطلب ما هو أكثر من التركيز على المشكلات الفنية. لطالما تم تهميش المفكرين التخريبيين نظرًا لعدم تماشيهم مع مجموعة معينة من القيم، ولكن الدور التاريخي للمخرب كان مهمًا في خلق تأثيرات قوية ودائمة. إن أساليب القيادة دورها حاسم في تحفيز وتمكين المنظمات في عملية التغيير. تلعب القيادة التحويلية دورًا أساسيًا في تحرير الإمكانات الكامنة لدى أفراد سلاح الجو للتطور وخلق أساليب جديدة في العمل. وعلى الرغم من ذلك، فإن التقدم في التغيير وتحويل الأفراد ليس عملية خطية، ولضمان الاستدامة في هذا الاتجاه، فسيحتاج قادة سلاح الجو إلى أن يكونوا قادرين على توفير وخلق الثقة المتبادلة.

The Author

د. بريان واترس (Dr. Bryan Watters OBE) أستاذ مساعد في إدارة الدفاع والقيادة في جامعة كرانفيلد في المملكة المتحدة. يضع تركيزه الدراسي على نماذج القيادة، والقيادة العسكرية، وقيادة وإدارة التغيير في البيئة الاستراتيجية والقيادة الأخلاقية. قبل مسيرته الأكاديمية، خدم د. واترز في القوات المسلحة البريطانية حيث تقاعد على رتبة كبير ضباط. خدم في تعيينات القيادة والأركان، بما في ذلك مع الأمم المتحدة وحلف شمال الأطلنطي (الناتو). وكان آخر وظيفة له قائدًا للقوات البريطانية في كوسوفو.

مقدمة

شهد القرن الماضي قفزات تكنولوجية هائلة متمثلة في ظهور مركبات جوية غير مأهولة (طائرات بدون طيار)، وطائرات عسكرية جديدة من الجيل الخامس والسادس، وهذا بدوره قد وضع القوات الجوية في بيئة مضطربة تكنولوجياً. إن التكنولوجيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي، والبيانات الضخمة، وتكنولوجيا الكم، والروبوتات، والأنظمة المستقلة، والمواد المتقدمة الجديدة، وسلاسل الكتل، وأنظمة الأسلحة التي تفوق سرعة الصوت، والتكنولوجيات الحيوية المطبقة على تحسين القدرات البشرية، وغيرها من التكنولوجيات، ستغير بشكل أساسي الطرق التي يجب من خلالها تنظيم القوات الجوية وتسيير أعمالها.

وتسليماً بذلك، أطلق سلاح الجو الملكي البريطاني في عام 2020 حملة أطلق عليها اسم أسترا (Astra) لبناء جيل قادم يصلح للمستقبل من القوات الجوية. إذ تتضمن حملة أسترا (Astra) تغييراً تدريجياً على مستوى سلاح الجو الملكي البريطاني، بما في ذلك كيفية اصداره الأوامر وكيفية قيادته (RAF 2020). إن كابتن المجموعة “بليث كروفورد”، المسؤول عن قيادة مركز الابتكار لسلاح الجو الملكي البريطاني (RAFX)، يلخص تحديات التحول معتبراً أن سلاح الجو الملكي البريطاني، الذي تم تعيينه بطرقه التقليدية، كان يحاول تشغيل سلاح الجو من الجيل الخامس بعمليات وتكنولوجيات التسعينيات (RAF, 2022). وإن حضور العامل البشري في قلب الكفاءة العسكرية ليس بالاكتشاف الجديد. إذ سلَّط نابليون بونابرت الضوء على التأثير الأكبر للعامل البشري على الأعداد المادية والمادة عندما كتب: رصيد القوى العاملة والمواد يحسب فقط للربع المتبقي من الأرباع الثلاثة التي تتحول إلى معارف وعلاقات شخصية (Napoleon, 1808).

ستدافع هذه الصحيفة عن دور العامل البشري، بدءاً من الشخص المتفرد أو الاستثنائي أو المغرد خارج السرب، مثل العقيد جون بويد، الطيار المقاتل، الذي غير فن الحرب (Coram, 2004). وبعد مناقشة موجزة لأساليب القيادة وبنياتها، سوف تستكشف هذه الصحيفة مفهوم التحديات التكيفية مقابل التحديات التقنية (Heifetz, 1994; Heifetz, Linsky and Grashow, 2019; Heifetz and Linsky, 2017). أخيراً، تم تقديم نموذج تغيير بسيط بشكل خادع من ثلاث خطوات صممه كورت لوين (Lewin, 1947) وطوره جون كوتر (Kotter, 1996). تركز هذه النماذج المفاهيمية على كيفية تغيير العقلية أو النموذج عن طريق تغيير السلوك البشري، ويتم تقديمها كطريقة للتفكير في قيادة التغيير والتحول في القوة الجوية.

مافريك

“ليست الطائرة من تواجه أكبر وطأة للإصابة، بل الطيار”.

مقولة قالها مافريك لعدة أشخاص في فيلم توب غان: مافريك (2022)

المتفرد، أو المستقل، أو المغرد خارج السرب (Gladwell, 2008) هو شخص مصنف بشكل مختلف عن الهيكل الرئيسي، وعادة ما يكون مفكراً فردياً، وغالباً ما يكون مزيجاً من التألق والاندفاع، ويتميز بعدم اظهاره للاحترام أو أسلوب المواجهة. ومثل هذا الرجل كان العقيد جون بويد، الذي خدم في سلاح الجو الأمريكي (USAF) لمدة أربعة وعشرين عاماً وخاض ثلاث حروب. في عام 1953، كان بويد طياراً للطائرات ذات الطراز “F-86 Sabre” في الحرب الكورية وقام بجولة قصيرة بعد خضوعه لـ 22 مهمة تدريبية في مدرسة الأسلحة التابعة للقوات الجوية الأمريكية. وبعد حصوله على المرتبة الأولى وتفوقه على جميع زملائه في الفصل، تم تعيينه في المدرسة مدرباً ورئيساً للقسم الأكاديمي، وأصبح يُعرف باسم “بويد صاحب الأربعون ثانية”، الطيار الذي يُمكنه هزيمة أي خصم في مناورة قتالية جوية في أقل من أربعين ثانية.

كان بويد أول شخص قام بتدوين الطرق المراوغة للقتال الجوي، مما أحدث تطوراً تكنولوجياً في الحرب الجوية. أصبحت “دراسة الهجوم الجوي” الخاصة بـ بويد، والتي كتبها عندما كان كابتناً شاباً، أساس عقيدة القتال الجوي للقوات الجوية الأمريكية. أطلق بويد في عام 1966، بصفته رائداً، نظريته وهي القدرة على المناورة (Energy-Maneuverability) بالتعاون مع عالم الرياضيات توماس كريستي والملازم الأول في سلاح الجو الأمريكي جيمس جيبسون أثناء دراسته في معهد جورجيا للتكنولوجيا. إن نظرية القدرة على المناورة (Energy-Maneuverability)، وهي نموذج أداء الطائرات، خلقت المعيار الدولي لتصميم الطائرات المقاتلة. وأثناء عمله لاحقاً كعضو في مجموعة مُناصرة صغيرة يطلق عليها اسم فايتر مافيا (Fighter Mafia) في مقر القوات الجوية الأمريكية، دافع بويد عن برنامج المقاتلات الخفيفة الوزن الذي أدى إلى تطوير طائرة F-16 Fighting Falcon وطائرة  F-18 Hornet التابعة للبحرية الأمريكية. يعتبر بويد “الأب المطور” لهذه الطائرات الأسطورية.

وبعد مغادرتهِ القوات الجوية الأمريكية في عام 1975، كتب بويد أنماط الصراع، والتي غيرت المذاهب القتالية للجيش الأمريكي ومشاة البحرية، وكان لها تأثير كبير على التخطيط العملياتي لغزو العراق. قام بويد أولاً بإحاطة ديك تشيني بأنماط الصراع في عام 1981، الذي كان وقتها عضواً في مجلس النواب. وبصفة تشيني وزيراً للدفاع، فقد قام باستدعاء بويد من فلوريدا إلى واشنطن في عام 1990، وكان بويد يعيش فلوريدا آنذاك بسبب تدهور صحته. أصبح بويد جزءاً من التخطيط لعملية عاصفة الصحراء وأثَّر على رفض تشيني لخطة الجنرال شوارزكوف الأولية (Coram, 2002 p.424). ربما تكون عملية عاصفة الصحراء هي أنجح حملة قصف جوي في التاريخ.

من المحتمل أن يكون بويد معروفاً رغم شهرته في تطوير دورة الملاحظة، التوجيه، اتخاذ القرار والتصرف (Observe-Orient-Decide-Act)، التي تم تقديمها في أنماط الصراع، والتي ربما تكون إرثه الأكثر استشهاداً والأقل فهماً (Coram, 2002, pp. 334-339). كما هو مبين في الشكل 1.1، تحتوي دورة الملاحظة، التوجيه، اتخاذ القرار والتصرف (Observe-Orient-Decide-Act) على ثلاثين سهماً يربطون بين المكونات المختلفة، مما يخلق مئات الحلقات الممكنة. إذا كان شخص ما يفهم حقاً كيفية استخدام حلقة أودا (OODA)، فيمكنه خلق خطر وعدم يقين وانعدام ثقة يمكن استغلاله وتضخيمه، كما قال بويد، في “تفكيك المنافسين” (Coram, 2002, p.334). بالنسبة لبويد، كانت فكرة الإيقاع، أو الدخول في حلقة أودا (OODA) الخاصة بالخصم، أمراً بالغ الأهمية: “من أجل الفوز، يجب أن نعمل بوتيرة أو إيقاع أسرع من خصومنا، أو الدخول داخل الدورة الزمنية أو حلقة الملاحظة، التوجيه، اتخاذ القرار والتصرف الخاصة بالخصم (Boyd, 1976, p.22).

الشكل 1.1: حلقة الملاحظة - التوجيه - القرار - التنفيذ (OODA) (Coram, 2002, p.344)

لقد ازدهرت جميع الثقافات والجيوش من خلال الاستثنائيين والمؤثرين والمتفردين من أمثال بويد، لكن أثناء فحص حياته المهنية غير العادية وترقيته المتأخرة إلى رتبة العقيد، كتب كورام (Coram, 2002, p. 255): قائمة المفكرين الأصليين للقوات الجوية، وهذه قائمة مختصرة، وستبدأ باسمه. لكن أعداءه انتصروا. لقد أسقط العديد من الجنرالات ليصبح جنرالاً”. لقد كان التخلي عن الترقية أمراً يفهمه بويد، وقد أوضحه كثيراً في خطابه “إما أن تترقى أو تُحدث تغييراً” والذي كان بمثابة دعوة للضباط الذين احترمهم للانضمام إليه في سعيه للتغيير. كان لابد من الاختيار، وفقاً لبويد، ليكون شخصاً “معترفاً به من قبل النظام ويتم ترقيته”، أو القيام بشيء من شأنه أن “يدوم لسلاح الجو والبلد”. وأعرب عن أسفه عن حالة الثقافة العسكرية الأمريكية، بأنه نادراً ما كان من الممكن القيام بالأمرين (Defense and National Interest, 2007).

ومن الأمثلة الكلاسيكية الأخرى على الاستثنائيين والمتفردين والمغردين خارج السرب هو اللفتنانت كولونيل ديفيد ستيرلنغ، مؤسس الخدمة الجوية البريطانية الخاصة (SAS) (Mortimer, 2022). وصفه فيلد مارشال مونتغمري بأنه “مجنون، مجنون للغاية”، ومع ذلك رأى مونتغمري أن ستيرلنغ هو رجل كان في أمس الحاجة إليه في وقت الحرب (Scottish News, 2022). كان آلان تورنج مفكراً أصلياً متألقاً آخراً، كان عالم رياضيات، وعالم كمبيوتر مؤسس، وفيلسوفاً، وقد كسر رمز جهاز إنجما، ولكنه توفي ملطخاً بالعار في سن الـ 41 عاماً بعد تعاطيه السيانيد. وفقاً لعالم الكمبيوتر الرائد جون جراهام كومينغ، “كان تورينج” كنزاً وطنياً وقد طاردناه حتى وفاته” (Daily Mail, 2009).  

شخصيات مثل جون بويد وديفيد ستيرلنغ وآلان تورينج كانت مفيدة في تحديد الحاجة إلى التغيير والشروع فيه، مع إدراك أن المشكلات تجاوزت الحلول التقنية البسيطة. إن السؤال المطروح على المؤسسة العسكرية هو ما إذا كانت تستطيع التعامل مع الاستثنائيين والمؤثرين والمغردين خارج السرب الذين لا “يتناسبون” مع مجموعة القيم الراسخة. إذا كان على القوة الجوية أن تتكيف وتزدهر في بيئة مضطربة تكنولوجياً، فيجب عليها أولا أن تتبنى التفكير الاستثنائي الذي يتحدى العرف والأمر الواقع بدلاً من تهميشه. يدرك سلاح الجو الملكي البريطاني من جانبه اليوم الحاجة إلى “إطلاق العنان لشعبنا وتمكينه من تعظيم إمكاناته الكاملة من أجل إنشاء القوة الجوية المستقبلية” (RAF, 2022).

إذا كان على القوة الجوية أن تتكيف وتزدهر في بيئة مضطربة تكنولوجياً، فيجب عليها أولا أن تتبنى التفكير الاستثنائي الذي يتحدى العرف والأمر الواقع بدلاً من تهميشه.

– د. بريان واترس

أساليب القيادة وبنياتها

أنماط القيادة هي المفتاح لقيادة التغيير بنجاح. يركز هايفتز (Heifetz and Linsky, 2017 pp.75-100) على ضرورة أن يفكر القادة سياسياً عند التعامل مع المؤيدين والمعارضين وأولئك غير الملتزمين والحذرين. ينطوي التفكير السياسي على بناء علاقات شخصية، وإبقاء المعارضة قريبة، وقبول المسؤولية عن جزء من الفوضى، والاعتراف بخسارة الآخرين، ونمذجة السلوك، والقبول بوقوع ضحايا. من المهم أن يستخدم القادة هذا التفكير لإشراك الأفراد المحتمل تأثرهم بالتغيير في التخطيط له بنجاح لأن الناس لا يميلون إلى مقاومة ما يبتكرونه. بالاعتماد على عمل جيمس ماكجريجور بيرنز (Burns, 1978)، الذي وصف “نوعين أساسيين من القيادة”، فإن باس (Bass, 1985) يقارن أساليب القيادة التحويلية والقيادة المتعلقة بالمعاملات. تتضمن قيادة المعاملات التفكير في تبادل شيء مقابل آخر، مما يعكس الجزء الأكبر من العلاقات بين القادة والمتابعين في عالمنا، في حين أن القيادة التحويلية أكثر فاعلية، حيث تدرك احتياجات المتابعين، وتبحث عن الدوافع المحتملة وتلبية الاحتياجات الأعلى. يمكن للقيادة التحويلية تحويل الأتباع إلى قادة، والقادة إلى أفراد أخلاقيين قادرين على إحداث تغيير أوسع بكثير.

الشكل 1.2: تأثير القيادة التحويلية (Bass, 1990)

على عكس بيرنز، يرى باس أن القادة يتسمون بالمعاملات، ويقدمون النتائج المتوقعة والتحويلية، ويقدمون أداءً يفوق التوقعات. يمكن تلخيص التركيبات الأربعة للقيادة لباس، على غرار الشكل 1.2، على النحو التالي: التأثير المثالي، حيث يحظى القائد بالإعجاب ويكون بمثابة نموذج يحتذى به للأتباع؛ الدافع مصدر الإلهام، حيث يلهم القائد الأتباع ويحفزهم؛ الاعتبار الفردي، حيث يُظهر القائد اهتماماً حقيقياً باحتياجات ومشاعر الأتباع لبذل قصارى جهدهم بشكل فردي؛ التحفيز الفكري، حيث يتحدى القائد المتابعين ليكونوا مبتكرين ومبدعين.

بسبب المركزية الأمريكية لنموذج باس، قد تكون هناك قيود على تطبيقه في مكان آخر، لذلك فهو ليس “حلاً سحرياً”. لكن أولئك الذين يتطلعون إلى أن يكونوا قادة تحوليين في سلاح الجو قد يفحصون عمل باس وبيرنز ويطرحون السؤال، ماذا تعني هذه الأساليب والتركيبات في ثقافتي وسياقي التنظيمي؟ كيف ترتبط هذه بتبني التفكير الاستثنائي والعوامل المثيرة للاضطراب في جميع أنحاء مؤسستي التي يمكن أن تساعد في تحقيق التحول المنشود؟ ستكون القيادة عاملاً حاسماً إذا كانت القوات الجوية تريد حقاً إطلاق العنان لأفرادها وتمكينهم من تحقيق التحول الذي تحتاجه للانتقال إلى المستقبل.

تحديات التكيف ونماذج التغيير

تتمثل مهمة القيادة الحاسمة في فهم طبيعة التحدي والقدرة على التمييز بين التحديات التي تعكس “المشكلات الفنية” وتلك التي تعكس “المشكلات التكيفية” لهايفتز (Heifetz, 1994). المشاكل الفنية هي مشاكل ذات حلول معروفة، حيث نلجأ إلى السلطة مع توقع أنها تستطيع حل المشكلات. ومثال على ذلك هو محرك طائرة معطل، حيث يتم إلزام مهندس لإصلاحه، والحل غني عن البيان، والمحرك يعمل الآن.  تختلف تحديات التكيف لأنه لا يوجد حل بديهي، والسلطة غير قادرة على إصلاح المشكلة ولم يتم تطوير استجابة مناسبة حتى الآن.

قد تتعلق أمثلة التحديات التكيفية للقوات الجوية بالحفاظ على الميزة التنافسية في مواجهة الابتكار المتصاعد الجذري، أو نماذج العمل الحالية أو عدم كفاءة العمليات. لا يتم تصنيف المشكلات بشكل ملائم على أنها تقنية أو تكيفية، والعديد من المشكلات مزيج من الاثنين معاً. إن أحد مصادر فشل القيادة هو عندما تتعامل السلطات مع التحديات التكيفية مثل التحديات التقنية، والتي يحذر منها هايفتز (Heifetz and Linsky, 2017 p. 14). يجب أن يكون قادة القوات الجوية قادرين على فك شبكة الارتباك وتفويض المشكلات التقنية للسلطة المناسبة والتصدي للتحدي التكيفي من خلال “العمل التكيفي”.

يجب أن يكون قادة القوات الجوية قادرين على فك شبكة الارتباك وتفويض المشكلات التقنية للسلطة المناسبة والتصدي للتحدي التكيفي من خلال “العمل التكيفي”.

– د. بريان واترس

إن الهدف من العمل التكيفي هو خلق الظروف والبيئات التي تنطوي على تفاعل القائد والتابع والتي يمكن أن تمكن المنظمة أو المجتمع المتضرر من “الازدهار” في مواجهة المشاكل المعقدة. وفقاً لهايفتز، تتطلب معالجة مشكلة تكيفية أو مزيجاً من المشكلات الفنية والتكيفية ستة سلوكيات من قياديين أو مديرين أساسيين، Heifetz (1994), Heifetz, (Grashow and Linsky, 2009; Heifetz and Linsky, 2017). لقد تطورت “مبادئ القيادة” هذه أو “قيادة التغيير التكيفي”، ولكن يمكن تلخيصها ببساطة على النحو التالي:

  1. الخروج إلى الشرفة: يجب أن يكون لدى القائد الإحساس بالتفصيل للموقف على “أرض الميدان” ولكن لفهم الصورة الأكبر، واكتساب منظور بعيد، وتحديد الأنماط، وأن يكون تحت ضغط أقل لاتخاذ القرار، فيجب عليه أن يخرج إلى الشرفة. الدرس الأساسي هو التنقل بين أرض الميدان والشرفة وتجنب الوقوع في مكان واحد.
  2. تحديد التحدي التكيفي: يحتاج القائد إلى الاستعداد لتحديد الحقائق المرة لمشاكل التكيف والتغييرات التكيفية المطلوبة.
  3. تنظيم المحن: يجب على القائد أن يقوم بعمل متوازن، لا أن يطغى على نفسه، ولكن عليه أيضاً الحفاظ على توتر كافٍ للحفاظ على الشعور بالإلحاح. يجب طرح الأسئلة وتحدي القواعد غير المنتجة حتى عندما لا يمتلك القائد الإجابة.
  4. المحافظة على الاهتمام المنضبط: يحدد القائد المشتتات ويركز على القضايا الصعبة. يميل الناس إلى الانزلاق مرة أخرى إلى السلوكيات القديمة والمشكلات الفنية ما لم يتم الحفاظ على التركيز.
  5. إعادة العمل للناس: السلطة ليس لديها إجابات، ومن المهم تشجيع الآخرين على تحمل المسؤوليات وأن يكونوا جزءاً من التغيير من خلال التشجيع والدعم.
  6. حماية الآراء من الأسفل: بعد تشجيع الناس على قبول المسؤولية واقتراح الأفكار، يجب على القائد حماية الأفكار والآراء بدلاً من سحقها، بما في ذلك المعارضين.

تعتبر مبادئ القيادة هذه وثيقة الصلة بالبيئة العسكرية ويمكن، عند تطبيقها جنباً إلى جنب مع بنيات القيادة التحويلية التي تمت مناقشتها سابقًا، تجهيز قادة القوات الجوية بشكل أفضل للتعامل مع التحديات التكيفية. ومع ذلك، فإن القوة الجوية والبيئة العسكرية تمثل على نطاق واسع تحديات فريدة للقادة في مواجهة تحديات التكيف وخاصة في قيادة التغيير. ونظراً لطبيعتها المغلقة وهيكلها الجامد وتسلسلها الهرمي وتقاليدها وطرق عملها، بما في ذلك مفاهيم القيادة والسلطة والتفويض، فإن الشروط اللازمة للحلول التكيفية لا توجد بسهولة في المنظمات العسكرية. يجب على القادة، في البيئة العسكرية ربما أكثر من أي بيئة أخرى،  التفكير في كيفية دفع الحدود في تحدي الأشخاص والعقليات الحالية للتغيير نحو نماذج ثقافية جديدة.

مثل نموذج لوين المفاهيمي المكون من ثلاث مراحل لإدارة التغيير والذي تم استخدامه لتحقيق نتائج ناجحة في مؤسسات الدفاع البريطانية. كان كورت لوين (1890-1947) رائداً في مجال البحث التطبيقي والبحث الإجرائي والاتصال الجماعي كأستاذ في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، حيث طور نموذجاً للتغيير المبكر (Lewin, 1947) مكون من ثلاث مراحل. ولشرح نموذجه المكون من ثلاث مراحل، استخدم لوين تشبيه كتلة الجليد: لتحقيق شكل جديد، يجب أولاً إذابة الجليد (“إلغاء التجميد”)، ووضعه في شكله الجديد (“الانتقال”) ثم تجميده أخيراً (“التجميد”). وفقًا لذلك، تتعلق المرحلة الأولى بالناس، وهنا يتم تفكيك “العقلية” الحالية من خلال “إلغاء التجميد”. يتم تحييد المقاومات أو تجاوزها والتغلب على القصور الذاتي الموجود حول الوضع الراهن. في المرحلة الثانية، يحدث الانتقال عندما تطغى القوى التي تقاوم التغيير على القوى الدافعة للتغيير. قد تظهر فترة من الارتباك هنا حيث يتم تحدي الطرق القديمة دون صورة واضحة لما يتم استبدالها. تتعلق المرحلة الثالثة بالهيكل الذي يتم تجميده في شكله المتغير.

وللمساعدة في تطبيق هذا النموذج، ثلاثي المراحل، اقترح لوين أداة تسمى تحليل مجال القوة (Lewin, 1951) والتي تقيس العوامل (“القوى”) التي تؤثر على تحقيق (القوى المساعدة) لهدف ما، أو حظر (إعاقة القوى) التي تمنع تحقيق الهدف. يمكن أن يكون نموذج لوين (1947) الإجرائي بمثابة درابزين عند قيادة التغيير ويتم دمجه بشكل مفيد مع نموذج الخطوة الثماني الأكثر معاصرة لكوتر (1996). يظل جوهر وأساس منطق نموذج لوين جزءاً لا يتجزأ من تطور كوتر للنموذج ويمكن تفسير كل خطوة فيه على أنها سلسلة متصلة تتناول سبب فشل التغيير. لقد صمد نموذج الخطوات الثماني الخاص بكوتر أمام اختبار الزمن والتطبيق ولكن تم تحسينه ليعكس حالة عدم اليقين التي أظهرها عالم سريع التغير، مما أدى إلى انتقاد تأريخه (Kotter et. al, 2021). تم وصف “الخطوات” الثماني الأصلية على أنها “مسرِّعات” في عملية تمكن شبكة الإستراتيجيات من العمل. يوضح الشكل 1.3 وضع تسريع ثماني خطوات (Kotter, 2012).

الشكل 1.3: نموذج التسريع المكون من ثماني خطوات (Kotter, 2012)

الخاتمة

تتشكل البيئة المُزعزِعة تكنولوجياً من خلال التقنيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي، والبيانات الضخمة، وتكنولوجيا الكم، والروبوتات، والأنظمة المستقلة، والمواد المتقدمة الجديدة، وسلسلة الكتل، وأنظمة الأسلحة التي تفوق سرعة الصوت، والتقنيات الحيوية المطبقة على تحسين القدرات البشرية، وغيرها العديد من التقنيات الأخرى. ستعمل هذه البيئة الناشئة على تحويل القدرات والاستراتيجيات والعمليات العسكرية. وللتكييف والتغيير بنجاح، سيُطلب من قادة القوات الجوية تبني وتأييد المفكرين الاستثنائيين، وتطوير نظام أو أنظمة يمكن أن تفكك الخصم من خلال تبني أفكار مثل حلقة أودا (OODA) التي تم تصميمها لاستغلال الأسلحة والعمليات لتوليد بيئة سريعة التغير وتمنع الخصوم من القدرة على التكيف مع هذه المواقف. هناك حاجة للاعتراف بأن تحدي التحول للقوات الجوية ليس تحدياً تقنياً فحسب، بل هو مزيج من التحديات التقنية والتكيفية. يحتاج قادة القوات الجوية إلى التفكير سياسياً في العوامل البشرية في التعامل مع التحديات التكيفية وقيادة التغيير. تكمن معظم مشكلة التغيير في ثقافة المنظمة، والطريقة التي تتم بها الأمور، والقيم والرموز والسلوكيات والافتراضات المشتركة، وبالتالي ستتطلب من الأفراد داخل المنظمة تغيير طرقهم. الناس أنفسهم جزء من المشكلة وجزء من الحل، والحل يكمن أيضاً في داخلهم. لتحقيق التغيير بشكل فعال، يجب أن نفهم سبب مقاومة التغيير وطرق التغلب على هذه الحواجز.

إن النماذج المفاهيمية المقدمة في هذه المناقشة لا تتبع تقدماً خطياً، وقد تكون الحقيقة أن خطوة واحدة إلى الأمام تؤدي إلى خطوتين إلى الوراء. ولن ينجح التقدم في التغيير والتحول إلا إذا تمكن قادة التغيير في القوة الجوية من “إلغاء تجميد” العقليات الحالية وإذا كان تحليل مجال القوة يوفر وزناً أكبر للقوى التي تدعم التغيير من أولئك الذين يقاومونه. يعد وجود الأشخاص المناسبين الذين يفهمون المشكلة ويمكنهم نشر العمليات لإحداث التغيير أمراً أساسياً. يتعلق تحدي التغيير بتحويل الناس ويجب أن تكون القيادة التحويلية قادرة على توفير الثقة وخلق الثقة المتبادلة من خلال تقديم نموذج خاص بالثقافة يدفع الناس إلى الانطلاق في رحلة التغيير الحاسمة.

المراجع

Table of Contents

Read More

إن النمو المتسارع للفضاء التجاري يضعه في طليعة الابتكار والأنشطة المتعلقة بالتوسع في استخدام الفضاء. يُوجد الكثير من المكاسب التي تستطيع الجيوش الحصول عليها من الفضاء التجاري، وذلك لأن الجيوش تحاول استخراج كامل الإمكانات الكامنة الممكنة التي قد يوفرها الفضاء للنشاط العسكري، ولكن ذلك سيجلب أيضًا ديناميكيات جديدة في المنافسة على الهيمنة.

د. مالكولم ديفيس (Dr. Malcolm Davis)- كبير محللي - معهد السياسة الإستراتيجية الاسترالي - استراليا

إن مجال الفضاء هو الذي يمكنه فقط نقل المعلومات بالسرعة والحجم والمدى المطلوب للبنية الفعالة للقيادة والسيطرة المشتركة في جميع المجالات (JADC2). إن الإمكانات الفضائية الأساسية ستكون مطلبًا ضروريًا إذا كانت الولايات المتحدة تأمل في تحقيق النصر في صراع الأقران. إن وزارة الدفاع وقوات الفضاء يجب عليهما إعطاء الأولوية لطبقة نقل فضائية قوية وأجهزة استشعار وتفوق فضائي لحماية هذه الإمكانات.

تيم رايان (Tim Ryan)- زميل مقيم أول في مجال دراسات القوة الفضائية - معهد ميتشل - الولايات المتحدة

تعتمد العمليات متعددة المجال على مجال الفضاء كآداة تمكين “حاسمة” ويتطلب ذلك خبرة في مجال الفضاء على المستوى الميداني. يجب صقل كادر جديد من المتخصصين في الفضاء لاستغلال عناصر التمكين الفضائية، حيث يستدعى ذلك أن يضع قادة القوات الجوية المتطلبات التدريبية مع البدء في تطوير مسارات وظيفية لضباط الفضاء العسكري.

بيتر جاريتسون (Peter Garretson)- بيتر جاريتسون زميل أقدم ومدير مشارك في مبادرة سياسة الفضاء - مجلس السياسة الخارجية الأمريكية - الولايات المتحدة

يعيد الجيل الخامس من الحروب الجوية كتابة ربط القوة الجوية من خلال الجمع بين جميع مكونات العمليات الجوية سويًا. إن الجيل الخامس من القيادة والسيطرة (C2) سيعتمد على العوامل البشرية وقدرة قادة القوات الجوية ومرؤوسيهم على التكيف مع أساليب العمل الجديدة. إن القوات الجوية ستحتاج إلى قادة قادرين على التدريب على أساليب جديدة للتفكير وصقل الثقة.

روبرت فاين (Robert Vine)- قائد سرب (متقاعد) - في سلاح الجو الملكي الأسترالي - مستشار عسكري مستقل - أستراليا