Search
Close this search box.

تأسيس استراتيجية متعددة الطبقات لاستخدام الذكاء الاصطناعي في القوة الجوية: فهم تطبيقاته على المستويات الاستراتيجية والتشغيلية والتكتيكية

جان كريستوف نويل (Jean-Christophe Noël)- باحث مساعد - المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (IFRI) ورئيس تحرير Vortex - فرنسا

Abstract

الذكاء الاصطناعي (AI) هو أحد عناصر التمكين الحاسمة في القوة الجوية إلا أن إمكاناته لم تُدرك بعد. إن الذكاء الاصطناعي (AI) لديه قدرة هائلة في تحسين عمليات التخطيط وصنع القرار في سلاح الجو على مستويات الحرب المختلفة ولكن شريطة الاعتراف بقيوده وإدارتها كما ينبغي. إن المدخلات الجديدة التي تساهم في تبسيط استخدام الذكاء الاصطناعي (AI) وإتاحة استغلال معظم البيانات بأكبر قدر ممكن من الدقة ستُزيد من إمكانية اعتماده في مستويات الحرب المختلفة. قد يثبت على المدى الطويل مع زيادة مشاركة الذكاء الاصطناعي (AI) أنه مفيد للغاية، لأنه يمكنه الاستفادة من البيانات الضخمة وتبادل المعلومات التي يوفرها كل عنصر من عناصر القوة. ستستعرض هذه الورقة البحثية بعض التحديات الرئيسية لاستخدام الذكاء الاصطناعي (AI) على المستويات الكلاسيكية للحرب وذلك قبل اعتبار الاتجاهات المستقبلية لاستخدامه، وأخيرًا سيتم مناقشة القيود والمخاطر الرئيسية المحتملة من هذا الاستخدام.

The Author

جان كريستوف نويل (Jean-Christophe Noël)طيار مقاتل سابق في سلاح الجو الفرنسي وعمل كزميل عسكري سابق في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) في واشنطن العاصمة – الولايات المتحدة. يعمل جان كريستوف حاليًا باحث مساعد في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (IFRI) ورئيس تحرير مجلة Vortex الفرنسية للقوة الجوية العسكرية.

مقدمة

إن التطورات المذهلة الجارية في مجال الذكاء الاصطناعي (AI) لم تستطع دائمًا جذب اهتمام مجتمع الطيارين العسكريين. وعلى الرغم من ذلك، فإن عمليات المحاكاة القتالية الجوية الأخيرة التي تستخدم الذكاء الاصطناعي (AI) ضد الطيارين المقاتلين ذوي الخبرة قد حازت على اهتمام واسع النطاق (Ernest et al, 2016). لأنه في هذه المحاكاة قد سحقت مقاتلات الذكاء الاصطناعي (AI) خصومها من الطيارين البشريين. نتيجة التقدم في الذكاء الاصطناعي (AI)، فإن فكرة اختفاء الطيارين على المدى الطويل – حالها كحال المهن الأخرى على المدى الطويل – قد اكتسبت زخمًا متزايدًا (Pashakhanloun, 2019). على الرغم من المكاسب المتزايدة في الذكاء الاصطناعي (AI)، إلا أنه لم يحدث الكثير حتى الآن فيما يخص تغير أدوار الطيارين البشريين في القتال الجوي وقيادة تخطيط القوة الجوية. فبدلاً من استبدال الطيارين البشريين، يمكنهم حاليًا وبشكل تدريجي الاستفادة من فوائد الذكاء الاصطناعي (AI) داخل قمرة القيادة، وكذلك بالضبط هو الحال بالنسبة لضباط سلاح الجو المتمركزين في المقر الرئيسي ومراكز العمليات الجوية.

 

 إن الذكاء الاصطناعي (AI) لديه قدرة هائلة في تحسين القوة المعلوماتية وقدرات الاستنزاف لدعم عمليات التخطيط وصنع القرار في سلاح الجو على مستويات الحرب المختلفة ولكن شريطة الاعتراف بقيوده وإدارتها كما ينبغي.  يجب على قادة سلاح الجو إيجاد اتجاه واضح مع تحديد المعضلات الرئيسية، وذلك عند تقييم الأبعاد العديدة لاستراتيجية استخدام الذكاء الاصطناعي (AI) في القوة الجوية. ما هي التطبيقات التكتيكية والتشغيلية والاستراتيجية للذكاء الاصطناعي (AI) التي يمكن تطويرها؟ هل استخدام الذكاء الاصطناعي (AI) أكثر تكيفًا مع مستويات معينة من الحرب مقارنة بغيره؟ كيف يتم دمج الذكاء الاصطناعي (AI) في طرق الحرب المستخدمة حاليًا؟ ستستعرض هذه الورقة البحثية بعض التحديات الرئيسية لاستخدام الذكاء الاصطناعي (AI) على المستويات الكلاسيكية للحرب وذلك قبل اعتبار الاتجاهات المستقبلية لاستخدامه، وأخيرًا سيتم مناقشة القيود والمخاطر الرئيسية المحتملة من هذا الاستخدام.

الذكاء الاصطناعي (AI) على المستوى التكتيكي

تختلف تعريفات الذكاء الاصطناعي (AI) اختلافًا كبيرًا من مؤلف إلى آخر. تُعرِّف المجلة الرسمية للجمهورية الفرنسية الذكاء الاصطناعي (AI) على أنه “مجال نظري وعملي متعدد التخصصات يهدف إلى فهم آليات الإدراك والفكر وتقليدها باستخدام أجهزة وبرامج، بغرض مساعدة النشاط البشري أو استبداله” (2018). وبذلك نفهم من هذا التعريف أن الذكاء الاصطناعي (AI) هو تكنولوجيا قائمة على الحوسبة لحل المشكلات بالاعتماد على الزيادة المطردة في حجم البيانات المتاحة، وقوة الحوسبة المتزايدة باستمرار، بالإضافة إلى التقدم في تصميم البرامج. إن تطبيقات الذكاء الاصطناعي (AI) متعددة الجوانب وتؤثر على جميع المجالات من الناحية العملية. الذكاء الاصطناعي (AI) يمكن أن يعمل على تبسيط المهام الإدارية. كذلك فيمكنه تحسين أداء صيانة الأسطول الجوي. كما يمكنه أيضًا تحسين أنظمة توجيه الصواريخ.

 كما يشير مايكيل سي هورويتز (Michael C. Horowitz)، بأن الذكاء الاصطناعي (AI) ليس سوى سلاح (Horowitz, 2018). إنه عنصر من عناصر التمكين، فهو أقرب إلى الاختراعات مثل الكهرباء أو محرك الاحتراق الداخلي أكثر من كونه كمجرد دبابة قتالية أو طائرة مقاتلة. هناك عدد متزايد من الأطراف العسكرية التي تعتمد حاليًا على إدخال الذكاء الاصطناعي (AI) في العمليات العسكرية، مع التركيز على النشاط التكتيكي بشكل كبير. إسرائيل واحدة من رواد هذا المجال، حيث استغلت مؤخرًا ثلاثة من عناصر التمكين المدعومة بالذكاء الاصطناعي (AI) – The Alchemist, The Gospel, and Depth of Wisdom – في عمليات مشتركة (Antebi, 2022). يستغل Alchemist البيانات التكتيكية والتشغيلية لتنبيه القوات من الهجمات المحتملة عبر جهاز لوحي محمول باليد. يقدم Gospel توصيات لتحديد التهديدات التي يجب على المشغلين التحقق من صحتها وتحديد رد الفعل المناسب عليها (Ahronheim, 2021). وبحسب ما تم تقريره، فإن هذا التطبيق وفر جهد عام، حيث حقق نفس النتائج التي كانت ستحقق باستخدام الأساليب الحالية. أخيرًا، فقد تمكنت Depth of Wisdom من عمل أكثر الخرائط شمولية للأنفاق المنفذة تحت الأرض.

الذكاء الاصطناعي على المستويين الاستراتيجي والتشغيلي

 بالرغم مما أظهره الذكاء الاصطناعي (AI) من نتائج في القدرة على التحول في ساحة المعركة على المستويات التكتيكية، إلا أنه ما زالت لديه كذلك إمكانات محتملة أخرى على مستويات الحرب الأعلى. وبالرغم من ذلك، ونظرًا لأن المستويات الاستراتيجية والتشغيلية والتكتيكية للحرب تتطلب أنواعًا مختلفة من الاعتبارات والتفكير المنطقي، لذلك فإن التطبيقات والنتائج المحتملة من استخدام الذكاء الاصطناعي (AI) تختلف وفقًا لذلك.

 بحسب كلاوزويتز (Clausewitz)، إن وجود استراتيجية لابد لها أن تُضعف إرادة الخصوم وتكسرها في النهاية. ومع ذلك، فإن قياس أو تحديد هذا الهدف من الاستراتيجية لن يتحقق بسهولة. إلا أن هذه الفكرة لا تتحقق دائمًا بأن يكون الضرر الذي يلحق بالخصوم نتيجة عمل عسكري يُضعف عزيمة المعارضين ذوي الدوافع الأيديولوجية أو السياسية أو النفسية. لا يمكن اختزال الحرب في سلسلة بسيطة من الإجراءات المنطقية والنتائج المتوقعة كنشاط بشري وذلك نظرًا للدور الذي يلعبه كل من الإبداع والمفاجأة والخداع والعوامل النفسية كذلك (Payne, 2021).

 الذكاء الاصطناعي (AI) ليس لديه القدرة على بحث العوامل النفسية للحرب، أو حتى فهم لماذا تُعتبر الهزيمة في ساحة المعركة لا تعني بالضرورة الاستسلام عن القتال في بعض الأحيان. إن الذكاء الاصطناعي (AI) لا يمكنه حل المشكلات الناجمة عن التفاعلات البشرية المعقدة، وذلك بنفس ذات المنطق بالنسبة للبرامج المستخدمة في الألعاب الرياضية فهي لا تستطيع الرسم والمشي، ناهيك عن التنبؤ بما يحدث في اللعبة. لن يستطيع الذكاء الاصطناعي توقع إبداع العنصر البشري وعناصر المفاجأة أو الخداع التي تتكرر كثيرًا في العمليات العسكرية، ناهيك عن قدرته على توفير الحلول اللازمة لها. يمكن تفسير حدود الذكاء الاصطناعي (AI) السالف ذكرها من واقع عدم توفر الذكاء الاصطناعي القوي (Strong AI) – القادر على مطابقة أو حتى تجاوز القدرات المعرفية للبشر – في الوقت الحاضر.

لن يستطيع الذكاء الاصطناعي توقع إبداع العنصر البشري وعناصر المفاجأة أو الخداع التي تتكرر كثيرًا في العمليات العسكرية، ناهيك عن قدرته على توفير الحلول اللازمة لها.

– جان كريستوف نويل

سيشارك الذكاء الاصطناعي (AI) بشكل متزايد على مستوى العمليات بداية من مراحل التخطيط وحتى تنفيذ الحملات الجوية، إلا أن القوات الجوية ستحتاج في ذلك بالأحرى إلى الاعتماد على الذكاء الاصطناعي المحدود (Narrow AI). يقتصر الذكاء الاصطناعي المحدود على مهام وأدوار محددة يمكنه إكمالها بمستوى من الأداء يتجاوز قدرات العنصر البشري. يعرض الشكل 8.1 مقارنة بين سمات الذكاء الاصطناعي المحدود والذكاء الاصطناعي القوي الذي لا يزال في مراحله الأولى من التطوير. في الوقت الذي يدعم فيه الذكاء الاصطناعي المحدود النشاط التكتيكي، فإنه لا يزال مُثبت حتى الآن أنه غير كافٍ إلى حد كبير في الحصول على ميزة حاسمة على المستوى التشغيلي. لقد تم تسجيل هذه الملاحظات بناءً على محاولات مختلفة، مثل محاولة البحرية الأمريكية لتطوير نظام ذكاء اصطناعي (AI) على المستوى التشغيلي لقادة البحرية (Aycock and Gleney, 2021).

الجدول 8.1: مقارنة بين سمات الذكاء الاصطناعي المحدود (Narrow AI) والذكاء الاصطناعي (Strong AI) القوي

إن امتلاك التكنولوجيا وحده لا يكفي، لكننا في انتظار رؤية سبل تحقيق أقصى استفادة من التكنولوجيات الناشئة. في الحرب العالمية الثانية، كان لدى الحلفاء دبابات أكثر نسبيًا من الألمان، وبالرغم من ذلك فقد عانت جيوشهم هزائم فادحة بسبب قوة العقيدة العسكرية الألمانية. لقد أصبح الذكاء الاصطناعي (AI) حاليًا قضية مركزية في المنافسة القائمة بين الولايات المتحدة والصين بهدف التفوق التكنولوجي، وهو ما يعيد للذهن ديناميكيات الحرب الباردة. وعلى الرغم من ذلك، فإن نتائج الذكاء الاصطناعي (AI) لدى الجيوش ستعتمد على العقائد والمفاهيم المقترنة به، وذلك بغض النظر عن التطور التكنولوجي لهذه الأنظمة. يجب أن تكون حلول الذكاء الاصطناعي (AI) ذات تصميم خاص يتناسب مع قيود وخصائص البيئة العسكرية. على هذا النحو، فيجب تطوير القدرات الممكّنة للذكاء الاصطناعي (AI) كليًا لتشمل تطوير ودمج العقيدة والمفاهيم التشغيلية معًا وفي نفس ذات الوقت.

 في هذه الأثناء، فيمكن تسخير الذكاء الاصطناعي (AI) بطرق محدودة النطاق لتحري طريقة عمل جهاز معين أو التركيز على نقاط الضعف في نظام الخصم – وهي أحد مفاهيم “مراكز الثقل” الشهيرة لجون إيه واردن ((John A. Warden’s (1995). بدأ استخدام الذكاء الاصطناعي (AI) أيضًا في التأثير والعمليات النفسية (PSYOPS)، والتي أصبحت جزءًا هامًا ضمن الأنشطة العسكرية. في الصراعات الحديثة، يكون لدى جميع الأطراف القدرة على تشويه المعلومات والتلاعب بها ونشر المعلومات الزائفة. للذكاء الاصطناعي (AI) العديد من الاستخدامات في هذا السياق، حيث يمكنه دعم التأثير والعمليات النفسية (PSYOPS) الهجومية والدفاعية بطرق متنوعة. على نفس المنوال، سيكون للذكاء الاصطناعي (AI) دورًا موسعًا في الحرب المعلوماتية، وذلك لما تمثله أنظمة المعلومات كمراكز ثقل رئيسية هامة لجميع الأطراف. 

إن أهم استخدام للذكاء الاصطناعي (AI) فائدته على المستويات التشغيلية التي تكمن في قدرته على تحسين مستوى الذكاء بالإضافة إلى توفير التحليلات التنبؤية التي تمنح القوات الجوية إمكانية توقع التهديدات والتغيرات في البيئة على نحو أفضل. إن وجود أفراد استثنائيين وكلمات رئيسية معينة وأنماط ما تُعتبر دلالات حول نوايا الخصوم وخططهم المستقبلية. يمكن للذكاء الاصطناعي (AI) تحقيق نتائج قوية في ظل تواجد قدر أكبر من المعلومات المتوفرة حاليًا مثل الفيديو والنصوص والصور – والتي لربما لم يتم دمجها واستغلالها بشكل فعال حتى الآن. إن برنامج التجميع والمراقبة عبر التخطيط للسيناريوهات الموقفية النشطة (COMPASS) يُعد جهدًا طموحًا يهدف إلى تنفيذ ذلك تحديدًا بالجمع بين العديد من المجالات مثل نظرية اللعبة والنمذجة والمحاكاة (Tucker, 2018).

بنفس النهج، فيمكن للذكاء الاصطناعي (AI) أن يؤدي دورًا ذو قيمة للتخطيط عالي المستوى من خلال دعم تقييم واختبار مختلف الافتراضات ومسارات العمل (CoAs). عن طريق نمذجة القوات المعادية، وعقائدها، وقدراتها، ولوجستياتها، وربما أساليب التحكم الخاصة بالقادة، كما أن الذكاء الاصطناعي (AI) لديه القدرة على مساعدة القادة والمخططين التشغيليين على قياس واختبار مختلف الافتراضات ومسارات العمل (CoAs) ذات الفرص الكبيرة على تحقيق النتائج المرغوبة. وقد يذهب الأمر أبعد من ذلك، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي (AI) إثراء التفكير في الافتراضات وإبراز التحيزات الثقافية أو الرؤى الجديدة وذلك بتغيير مدخلات النمذجة. قد تساعد تطبيقات الذكاء الاصطناعي (AI) في لفت الانتباه إلى الاعتبارات التي يتم تجاهلها أو على الأقل قد تساعد في تطوير طرق جديدة للتفكير في التحديات. إن الذكاء الاصطناعي (AI) يمكن ضمن إمكاناته الواضحة صنع مدخلات ذو قيمة لعدد من الحالات المتنوعة بما يساعد على تطوير مسارات العمل، كما هو موضح في الشكل 8.1.

الشكل 8.1: مخطط موجز لتطوير مسارات العمل

الاتجاهات المستقبلية للذكاء الاصطناعي (AI)

توضح النتائج العملية والخبرة في استخدام الذكاء الاصطناعي (AI) أساليب هامة يمكن أن تدعم فيها هذه التكنولوجيا النشاط التكتيكي بتعزيز الذكاء وحماية القوة والمساعدة في صنع القرار. إن الملاحظات الموجزة التي تناولتها هذه الورقة البحثية تعطي لمحة عن الإمكانات المستقبلية الكامنة للذكاء الاصطناعي (AI). لقد أدى الإدخال المتزايد للذكاء الاصطناعي (AI) في مجال الدفاع إلى حدوث ثورة في الشؤون العسكرية (RMA) بدأت في نهاية القرن العشرين. ويبقى الهدف الرئيسي الكامن وراء ذلك – كما في التسعينيات – هو دمج وتكامل تكنولوجيات استخباراتية جديدة للسيطرة على ساحة المعركة عن طريق رفع “ضباب الحرب”.

 أدت كثرة المستشعرات في ساحة المعركة إلى تعزيز جمع المعلومات، والتي لابد لها من معالجة ودمج وتوزيع لإجبار العناصر على عمل متسلسلات قتل متعددة. إن هذا الاتجاه سيصبح أكثر وضوحًا مع ظهور مفهوم حرب الفسيفساء والتي لا تزال في مراحلها الأولى (Clark and Schramm, 2020).  وبالتالي، فإن الذكاء الاصطناعي (AI) وثيق الصلة ببنية العمليات متعددة المجال (MDO)، والتي تجمع بين القدرات المشتركة لإتاحة الكشف المبكر عن الثغرات العدوانية وتنسيق التأثيرات المتزامنة المناوئة لها. إن الذكاء الاصطناعي (AI) جعل كذلك اكتشاف الثغرات المؤقتة أمرًا ممكنًا من خلال توقع أو تحديد – على سبيل المثال – أعطال الرادارات المعادية وبالتالي تفعيل إجراءات وتأثيرات سريعة لاستغلال الأهداف الحساسة للوقت.

 يتم زيادة حجم إمكانات الذكاء الاصطناعي (AI)، حيث يتم تصميمه كنظام ضمن الأنظمة. وعليه فقد ظهر اتجاهان واعدان في هذا الصدد للتفكير مستقبلًا على مستوى القوة الجوية وهما: أسراب الطائرات بدون طيار والجناح الموالي. فيما يخص أسراب الطائرات بدون طيار، ستعمل الأنظمة المستقلة بالغة الصغر تمامًا مثل عش النمل، بحيث لا يُشترط أن يكون كل عنصر منفردًا شديد التخصص، إلا أنها ستكون متحدة في نظام واحد بما يوفر نوعًا من الذكاء الجماعي. نظرًا لأن أحد العناصر يعوض القيود الفنية للعناصر الأخرى، فإن تزامن عمل هذه الأسراب معًا سيجعلهم لديهم القدرة على تنفيذ وظائف معقدة مثل الكشف والخداع والضرب. يُنظر إلى أسراب الطائرات بدون طيار على أنها وسيلة أساسية لإغراق الدفاعات الجوية للعدو مستقبلًا (Hamilton and Ochmanek, 2020).

 من ناحية أخرى، فإن مفهوم الجناح الموالي مليء بالطموح، حيث يبدو ذلك جليًا في طائرات الجيل السادس التي يتم تطويرها حاليًا لأنها ستكون ذاتية التشغيل وبدون طيار بالإضافة إلى ما يتوقعه البعض بأنها ستُنفذ مهمات مشتركة مع العنصر البشري. سيحسن الجناح الموالي الوعي الموقفي مع قدرته في المحافظة على نظائرهم من العنصر البشري بالإضافة إلى مساعدة الطيارين في اتخاذ قرارات أفضل وأسرع. إن مقاتلي الجناح الموالي ستكون لديهم القدرة على التكيف مع الأدوار المنعكسة في أهداف مهمة محددة – مثل الحرب الإلكترونية أو عمليات الضرب. بنفس الأسلوب المُتبع في القرن الماضي والذي اعتمدت فيه القوات الجوية الرائدة على الجودة لهزيمة الأعداء، فإن الجناح الموالي سيحدد ديناميكيات العمل الجماعي بين العنصر البشري والآلة، مما سيترتب عليه تغييرات جذرية في الهيكل المستقبلي للقوات الجوية.

القيود والمخاطر المرتبطة بالذكاء الاصطناعي (AI)

لن تكتمل أي نظرة عامة على استخدامات الجيش للذكاء الاصطناعي (AI) دون تسليط الضوء على القيود والمخاطر التي تنتظر المستخدمين. الذكاء الاصطناعي (AI) ليس عنصر تمكين سحري. حاله كحال أي تكنولوجيا ناشئة أو جديدة، حيث سيحتاج الذكاء الاصطناعي (AI) إلى التطوير والاختبار، وهو ما سينعكس على الحاجة إلى استثمارات كبيرة مستقبلًا. إن تطبيق الذكاء الاصطناعي (AI) في العمليات العسكرية ليس مجرد مسألة تشغيل برمجيات. إن الذكاء الاصطناعي بحاجة إلى تدفقات استثمارية متنوعة لتطوير الأنظمة المطلوبة، وإتاحة البنية التحتية وبطبيعة الحال مع وجود العوامل البشرية التي ستتيح استخدامه ليكون ذو فاعلية أكبر علاوة على العمل على حمايته من الخصوم المتربصين.

إن الذكاء الاصطناعي بحاجة إلى تدفقات استثمارية متنوعة لتطوير الأنظمة المطلوبة، وإتاحة البنية التحتية وبطبيعة الحال مع وجود العوامل البشرية التي ستتيح استخدامه ليكون ذو فاعلية أكبر علاوة على العمل على حمايته من الخصوم المتربصين.

– جان كريستوف نويل

 يجب إنشاء بنية رقمية وأجهزة جديدة بالإضافة إلى البنية التحتية الداعمة لتحقيق أقصى استفادة ممكنة من “البيانات الضخمة” مما يعمل على تمكين الذكاء الاصطناعي (AI). ستحتاج السُحب القتالية إلى تطوير تخزين البيانات وبالتالي وبطبيعة الحال سيتطلب ذلك تحديد طبيعة ومتطلبات البيانات وأنظمة البيانات بالإضافة إلى السياسات المناسبة وأُطر الحوكمة. إن تحديد وضع ومكان السُحب القتالية والخوادم يُشكل تحديات خاصة – لأنه لابد لهم وأن يكونوا قريبين من المستخدمين، ولكن هل يكونوا في الجو أم على الأرض؟ مهما كانت الإجابة، فيجب ضمان الربط والاتصال بين المقرات وعناصر القيادة ومقاتلي الحدود.

 في الصراعات العسكرية المعاصرة، فإن جميع الأطراف تدرك أن الاعتماد على الاتصال والربط أمر حاسم. فمثلًا خلال الصراع في أوكرانيا، استهدف الجيش الروسي الخوادم ونقاط تبادل البيانات التابعة لشركة Viasat – وهي شركة تجارية لخدمات الاتصالات السلكية واللاسلكية – وذلك لمنع الاتصالات بين القوات الأوكرانية (Burgess, 2022). إن الذكاء الاصطناعي (AI) في واقع الأمر له العديد من الزلات التي يمكن استغلالها على حساب مستخدميه من قبل الخصوم الذين يفهمون هذه القيود والثغرات المتأصلة ويمكنهم استهدافها. تعتمد تقنيات التعلم العميق على سبيل المثال على جودة وتنوع المعلومات المقدمة للحصول على نتائج دقيقة.

 وذلك يُعتبر السبب في أن التحيزات الثقافية واللاواعية – التي تحد من حجم المعلومات – قد تدفع المشغلين إلى إصدار أحكام غير صحيحة عند العمل مع الذكاء الاصطناعي (AI). إن العلاقة بين العنصر البشري والذكاء الاصطناعي (AI) المعتمد على الآلة يشوبها كذلك مشكلات الثقة. إذا كان الذكاء الاصطناعي (AI) أكثر إبداعًا من الطيار أو القادة المدعومين ويوفر طرقًا غير عادية لتحقيق أهداف المهمة، إلا أن ذلك يثير الشكوك والارتباك غير المقبول في العمليات القتالية عالية السرعة. إذا نشأت مسارات العمل بنفس الطرق المُوصى بها للحلفاء أو شركاء التحالف، فإن غياب المنطق السليم يمكن أن يجعل العواقب السلبية ضخمة ولا تُحمد عقباها.

 من ناحية أخرى، فإن البشر بطبيعة الحال يميلون إلى الاعتقاد بأن الآلات تتفوق عندما يُعرض عليها نتائج تبدو متماسكة. ومع ذلك، فإن خطر الأتمتة المفرطة يمكن أن يؤدي إلى الانحرافات والاضطرابات. قد يؤدي تحديد الأهداف بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي (AI) دون تدخل بشري إلى حدوث أخطاء تؤدي إلى عواقب وخيمة حيث يتعرض صانع القرار لضغط مرتفع (التسلسل الهرمي أو الزمني، على سبيل المثال).

 تمامًا كما هو الحال مع أي تكنولوجيا، وباستخدام جدلية الدرع والسيف المعروفة، سيُطلق الذكاء الاصطناعي (AI) حتماً استراتيجيات مضادة وقد ينتج عنها تهديدات أسرع مما هو متوقع. على سبيل المثال، فقد طورت القوات الجوية للناتو قدرات هجومية بطائرات ذاتية القيادة بدون طيار، وذلك بدون التفكير بشكل كافٍ في الدفاع المضاد للأنظمة المماثلة التي يستخدمها الأعداء. إن خطر تهديد المنافسين وما لديهم من استغلال لقدراتهم في عصر التكنولوجيات التدميرية، قد يتم إغفاله ولذلك فإن القوات الجوية بحاجة للانتباه إلى مثل هذه الأخطاء المتكررة في التعامل مع الذكاء الاصطناعي (AI). وهذا الأمر مهم بشكل خاص لأن الكثير من الذكاء الاصطناعي (AI) يتم تطويره باستخدام برامج متاحة تجاريًا أو مفتوحة الوصول تتيح سبلًا مختلفة للخصوم للرد باستراتيجيات مضادة.

الخاتمة

الذكاء الاصطناعي (AI) هو أحد عناصر التمكين الحاسمة في القوة الجوية إلا أن إمكاناته لم تُدرك بعد. إن المدخلات الجديدة التي تساهم في تبسيط استخدام الذكاء الاصطناعي (AI) وإتاحة استغلال معظم البيانات بأكبر قدر ممكن من الدقة ستُزيد من إمكانية اعتماده في مستويات الحرب المختلفة. قد يثبت على المدى الطويل أن الذكاء الاصطناعي (AI) مفيد للغاية على مستوى المشاركة، حيث يمكنه الاستفادة من البيانات الضخمة وتبادل المعلومات التي يوفرها كل عنصر من عناصر القوة. سيحتاج قادة القوة الجوية إلى تقرير مقدار الاستقلالية التي يمكن منحها للآلات وذلك للاستفادة من جودتها ولكن دون التأثير على الإستراتيجية.

 يجب ألا يكون تدافع القوات الجوية لتسريع وتيرة العمليات والإجراءات غاية في حد ذاته لضغط الدورات الزمنية. لأن الغرض من الحرب في نهاية المطاف هو تحقيق تأثيرات سياسية، وليس تنفيذ عمليات في أقصر وقت ممكن. في الوقت الحالي – لا يزال استخدام الذكاء الاصطناعي (AI) باستمرار أمرًا غير ممكن في المستويات الثلاثة الكلاسيكية للحرب. كما أنه من غير الممكن وضع الذكاء الاصطناعي (AI) في قلب عمليات صنع القرار العسكري أو العمليات في ساحة المعركة. إن تغيير ذلك، يلزمه إحراز تقدم كبير في التكنولوجيا والمفاهيم بالإضافة إلى الحاجة لتحول العقليات. عندما يحدث ذلك، فإن التنبؤات بأن الطيارين سيختفون قد تتحقق بسرعة حينها.

المراجع

Table of Contents

Read More

ينبغي على صناع القرار العسكري إعادة النظر في افتراضاتهم عن دور الإمكانات الرقمية والذكاء الاصطناعي (AI) في الأنظمة القتالية المستقبلية. في الوقت ذاته المُعترف فيه بأهمية تكنولوجيا المعلومات، فيجب عليهم كذلك إدراك الأهمية الدائمة للتكنولوجيات العسكرية التقليدية. إن اتباع نهج متوازن أمر ضروري، بالإضافة إلى أن الاستفادة من خبرات الشركات الناشئة يجب أن يكون بحذر، لأن إجبار الممارسات التجارية على تطوير القدرات القتالية قد يؤدي إلى الفشل.

الدكتور تيد هارشبرجر (Ted Harshberger) - زميل أول (غير دائم) - مجموعة المبادرات الدفاعية الصناعية - مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية - الولايات المتحدة

الدكتورة سينثيا آر كوك (Cynthia R. Cook) - مدير - مجموعة المبادرات الدفاعية الصناعية - مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية - الولايات المتحدة

في ظل تطور المشهد العملياتي، فإن الجيوش تدرك الحاجة الملحة لتسخير إمكانات الذكاء الاصطناعي (AI) لتحقيق إمكانات قابلة للتكيف. من خلال تقديم مفهوم الميتافيرس في الدفاع (Defense Metaverse)، فإن هذا النهج يعمل على بناء توأم رقمي ديناميكي لساحة المعركة، حيث يُدمج الذكاء الاصطناعي (AI) مع النماذج المتطورة لتجريب المفاهيم التكتيكية وتحسينها. إن تسليط الضوء على النجاحات مثل مشروع GhostPlay، يبرز أهمية إعطاء الأولوية للتجريب والتدريب والبنية التحتية لتحسين الإمكانات العسكرية المدفوعة بالذكاء الاصطناعي (AI-driven).

هيكو بورشيرت (Heiko Borchert) - مدير مشارك - مرصد الذكاء الاصطناعي في الدفاع - ألمانيا

توربين شوتز (Torben Schütz) - زميل أبحاث - مرصد الذكاء الاصطناعي في الدفاع - ألمانيا

يشق الذكاء الاصطناعي (AI) طريقه إلى العمليات العسكرية وسيزداد التعايش بين المقاتلين والآلات في ظل التقدم التدريجي المتزايد في الإمكانات الاستقلالية. نظرًا لأن الآلات تتحول من مجرد أدوات بسيطة إلى زملاء عمل معاونين، فإن العمل الجماعي بين العنصر البشري والآلة سيصبح محور الحروب. إن فهم كيفية ضمان الثقة بين البشر والآلات أمر بالغ الأهمية.

د. جين مارك ريكلي (Dr. Jean-Marc Rickli)- رئيس مخاطر الأمن العالمية والناشئة

فيديريكو مانتيلاسي (Federico Mantellassi), مسؤول البحث والمشروعات - مركز جنيف لسياسة الأمن - سويسرا

إن النمو المتسارع للفضاء التجاري يضعه في طليعة الابتكار والأنشطة المتعلقة بالتوسع في استخدام الفضاء. يُوجد الكثير من المكاسب التي تستطيع الجيوش الحصول عليها من الفضاء التجاري، وذلك لأن الجيوش تحاول استخراج كامل الإمكانات الكامنة الممكنة التي قد يوفرها الفضاء للنشاط العسكري، ولكن ذلك سيجلب أيضًا ديناميكيات جديدة في المنافسة على الهيمنة.

د. مالكولم ديفيس (Dr. Malcolm Davis)- كبير محللي - معهد السياسة الإستراتيجية الاسترالي - استراليا