مقدمة
لقد شهد العقدان الماضيان توسعاً هائلاً في دور الشركات التجارية في مجال الفضاء، حيث فتحت سلسلة من القرارات المتعلقة بالسياسات منذ التسعينيات فصاعدًا في الولايات المتحدة ودول أخرى الباب أمام إنشاء العديد من الشركات، والتي ترى من بينها الكثير أن الحكومات مجرد جزء من إجمالي قاعدة أعمالها التجارية. لقد ترتب على الانخفاض في تكاليف الإطلاق وتطبيق أساليب التصميم والتصنيع الجديدة إلى خفض الحواجز أمام دخول الأطراف الفاعلين التجاريين الجدد. بالإضافة إلى ذلك، فإن تدفق رؤوس الأموال الهائلة خلال السنوات الأخيرة إلى شركات الفضاء قد أدى إلى خلق المزيد من المنافسة والتنوع في تطبيقات الفضاء التجاري.
اعتبارًا من عام 2023، فإن غالبية الأقمار الاصطناعية النشطة المدارية هي من الاقمار الاصطناعية التجارية. وهذا التغيير الجذري لم يبدأ منذ العقود الأولى من عصر الفضاء – حيث اقتصرت وقتها أنشطة الفضاء على عدد قليل جدًا من القوى الحكومية الكبرى – ولكنه بدأ فقط منذ عشر سنوات. ففي عام 2013، تواجد في المدار حوالي 1000 قمر اصطناعي نشط، حيث يمثل 20% منها تجارية أمريكية، و20% تجارية دولية، و60% حكومية (UCS, 2013). أما في بداية عام 2023، تواجد في المدار حوالي 6,700 قمر اصطناعي نشط في المدار، حيث يمثل 60% منها تجارية أمريكية، و20% تجارية دولية، و20% حكومية. لقد ازداد عدد الأقمار الاصطناعية الحكومية أكثر من الضعف في الفترة ما بين 2013 إلى 2023، إلا أن هذا النمو تضاءل مقارنة بالزيادة في الجانب التجاري، حيث تضاعفت الأقمار الاصطناعية التجارية الدولية ست مرات، وزادت الأقمار الاصطناعية التجارية الأمريكية بعامل 20 (UCS, 2023).
وبالرغم من إمكانات الفضاء الحكومية الفريدة من نوعها، إلا أن الشركات التجارية تقدم نماذج جديدة مثيرة للاهتمام متخصصة في مهمات معينة. فعلى سبيل المثال: بالنسبة للصور الكهروضوئية، فقد ركز مقدمو الخدمات التجارية على تحقيق دقة زمنية ممتازة (معدلات تفتيش سريعة) لتكون مكملة للأنظمة التقليدية التي تركز على تحقيق دقة مكانية عالية (أحجام بكسل صغيرة). ولتحقيق هذه الإمكانية، فإن الشركات تنشر أعدادًا كبيرة من الأقمار الاصطناعية الصغيرة أو المتوسطة الحجم، والتي تغطي نطاق الإمكانات الفضائية. فعلى سبيل المثال: نشرت شركة بلانت (Planet) كوكبة تتألف من 150 قمرًا اصطناعيًا عام 2018 بهدف التمكن من التقاط صورة للأرض بالكامل يوميًا (Henry, 2020). لقد طورت شركات مثل كابلا اسبيس (Capella Space) أقمار اصطناعية رادارية تجارية ذات بؤرة مصطنعة، حيث يمكنها التقاط صور للأرض في ظروف جوية مختلفة خلال النهار والليل (Werner, 2020). يعد كل من شركتي هاوكآي 360 (HawkEye360) وأورورا إنسايت (Aurora Insight) مثال على الشركات المقدمة لخدمات التقاط موجات الراديو بالاعتماد على الأقمار الاصطناعية (Vedda and Koller, 2020). توجد وتتطور كذلك إمكانات تجارية في مجالات الطقس القائم على الفضاء، والتقاط الصور فوق الطيفية، والمحطات الأرضية، والوعي بأحوال الفضاء، وغيرها العديد من المجالات. وبطبيعة الحال، فإن الاتصالات تظل الجزء الأكبر من سوق الفضاء التجاري، ولكن توجد كذلك الحاجة الملحة إلى تطور نماذج الأعمال.
إن خدمات الفضاء هامة للأطراف الفاعلة التجارية، ولكنها هامة كذلك لتطبيقات الأمن القومي، وهو ما يشير إلى طبيعة الاستخدام المزدوج لتكنولوجيا الفضاء. إن الاتصالات باستخدام الأقمار الاصطناعية يمكن أن تساعد مراقبي الحركة الجوية على إدارة الطائرات في المجال الجوي المزدحم، كما يمكنها كذلك مساعدة القوات العسكرية في إرسال الرسائل. يمكن لصور الأقمار الاصطناعية مساعدة المزارعين على تحديد الآفات الموجودة بين مواشيهم، كما يمكن أن تساعد صناع السياسات على تتبع تحركات قوى الخصم. يمكن كذلك للواقط الأشعة تحت الحمراء في الفضاء أن تكتشف حرائق الغابات وكذلك إطلاق المدفعية والصواريخ. ونظراً لطبيعة الاستخدام المزدوج لتكنولوجيا الفضاء، فإن تطورات الفضاء التجارية سوف تلعب دوراً هامًا في العمليات والخطط العسكرية، وسوف تحتاج الحكومات إلى النظر في كيفية استخدام تطورات الفضاء التجاري في تطبيقات الدفاع وإمكانية تحرير قيود هذا الاستخدام.
استقطاب الفضاء التجاري للتطبيقات العسكرية
الوقت والمال
إن عملية الاستحواذ على الدفاع عملية تستغرق وقتًا طويلاً ومكلفة. وكما ذكرت شركة أيروسبيس (Aerospace Corporation) (2019) سابقًا، “إنه في ظل النهج الحالي، فقد يستغرق الأمر أكثر من 10 سنوات لتطوير وبناء وإطلاق أنظمة فضاء شديدة التعقيد.” الميزة الأساسية لاستخدام إمكانات وخدمات الفضاء التجارية في تطبيقات الأمن القومي هي إمكانية توفير الوقت والمال. وبقدر ما توجد إمكانات وخدمات فضاء تجارية بما قد يلبي الاحتياجات الدفاعية، فمن المرجح أن يكون شراء هذه الإمكانات أو ترخيص تلك الخدمات أعلى كفاءة في استخدام الموارد مقارنة بما إذا تم تطويرها بشكل مستقل منفصل. تشتري وزارة الدفاع الأمريكية المنتجات والخدمات المتاحة تجاريًا لتلبية العديد من احتياجاتها. حيث تشتري منتجات مثل أجهزة الكمبيوتر وسيارات الركاب من الشركات التجارية. كما أنها تدفع مقابل الخدمات، مثل خدمات مياه الشرب والكهرباء والهاتف المتاحة من مقدمي الخدمات التجاريين. ومن الأمثلة الأخرى أجهزة الآيباد (iPad)، التي يشتري الجيش الأمريكي الكثير منها. تخيل مدى صعوبة أن تعين وزارة الدفاع الأمريكية مقاول متخصص في تطوير أجهزة الآيباد (iPad) بدلاً من مجرد شراء أجهزة الآيباد (iPad) الموجودة بالفعل.
وبقدر ما توجد إمكانات وخدمات فضاء تجارية بما قد يلبي الاحتياجات الدفاعية، فمن المرجح أن يكون شراء هذه الإمكانات أو ترخيص تلك الخدمات أعلى كفاءة في استخدام الموارد مقارنة بتطويرها بشكل مستقل.
– الدكتور جيمي مورين
إمكانية الوصول
ومن المزايا الأخرى لقدرات وخدمات الأقمار الاصطناعية التجارية إمكانية مشاركة البيانات. إن شركات التصوير الكهروضوئي، وشركات اللواقط الرادارية التجارية ذات البؤرة المصطنعة، وشركات رسم خرائط موجات الراديو، وشركات الوعي بأحوال الفضاء، ومن بينها شركات أخرى تقوم جميعها بجمع البيانات، سواء على الأرض أو في بيئة الفضاء – بالنسبة لبعض الحكومات – قد يكون من السهل عليها بث صور تجارية أو بيانات أخرى بدلاً من بث معلومات فعلية واردة من أنظمة حكومية، والتي قد تكون إمكاناتها حساسة. يمكن أن يكون هذا النشر مؤثرًا في ظروف معينة. يتزايد استخدام صور الأقمار الاصطناعية المتاحة تجاريا لأغراض استخباراتية تتعلق بالنشاط العسكري، وهذا ما يخلق ديناميكيات جديدة في الشفافية العالمية نظرًا لمصداقيتها أمام للجمهور عالميًا مقارنة بالمعلومات الواردة من الأنظمة التي تسيطر عليها الحكومات.
استخدام وكالات الدفاع للفضاء التجاري
نماذج جديدة للاستحواذ
في ديسمبر 2020، أصدر مركز سياسات واستراتيجيات الفضاء ورقة بحثية تناقش أهمية تحقيق أقصى استفادة ممكنة من إمكانات وخدمات الفضاء التجارية لوكالات الدفاع والاستخبارات الأمريكية من خلال استخدام أساليب غير تقليدية في الاستحواذ الدفاعي (Morin and Wilson, 2020). النموذج التقليدي هو أن تعين حكومة الولايات المتحدة مقاول لبناء إمكانات محددة مصممة لتلبية المتطلبات المحددة مسبقًا. وهو المكان الذي تنفق فيه وزارة الدفاع معظم أموالها. أما النهج الثاني فيتمثل في قيام وكالات الدفاع والاستخبارات بشراء إمكانات الفضاء كما هي، وذلك بنفس النهج الذي تشتري فيه وزارة الدفاع سيارات الركاب، أو أجهزة الكمبيوتر الشخصية، أو أجهزة الآيباد (iPad). النهج الثالث هو قيام وكالات الدفاع والاستخبارات بترخيص الخدمات للحصول على الإمكانات دون امتلاكها، وذلك بنفس نهج استخدامها لعملاء البريد الإلكتروني ومحركات البحث.
إن هذ الأساليب البديلة تتطلب المفاضلة فيما بينها. ولعل الأهم من ذلك أنها توفر سيطرة أقل لوكالات الدفاع والاستخبارات على النظام نفسه. ففي النهج الثاني: يحصلون على الإمكانية التي يمكن تعزيزها أو تكييفها بحسب الحاجة، إلا أنهم لم يصمموها. وفي النهج الثالث: تكون لديهم سيطرة أقل لأنهم لا يملكون الإمكانية، بل فقط الخدمة التي توفرها هذه الإمكانية. وعلى الرغم من هذه المفاضلات، فإن المزايا كبيرة بالقدر الكافي بما يهيأ قيادة الفضاء للاستعداد لقبول المزيد من المخاطر، وذلك في كثير من الحالات. إن التحدي الرئيسي – على الأقل في الولايات المتحدة – يظهر عند شراء المنتجات والخدمات المتاحة تجاريًا، وذلك نظرًا لأن عملية الاستحواذ في الدفاع في الولايات المتحدة مصممة على نموذج الاستحواذ التقليدي. تحدد الحكومة المتطلبات والإمكانات المطلوب تنفيذها لاحقًا بما قد يلبي هذه المتطلبات بدقة. إن شراء المنتجات أو الخدمات المتاحة تجاريًا لا يعني بالضرورة تلبية جميع المتطلبات بالكامل، إلا أنه سيكون من المفيد شراء ما يلبي 80% من المتطلبات بنسبة تقدر مثلًا بـ 10% من التكلفة، أو حتى شراء جزء منها ما يلبي نسبة معينة من المتطلبات في الحال. ولهذا السبب، فلا ينبغي الاعتماد على أساليب الاستحواذ غير التقليدية بالكامل. وبدلاً من ذلك، يمكن الاعتماد على الخيارات الهجينة المختلطة التي تجمع بين النماذج المختلفة لتلبية أجزاء مختلفة من الحاجة كل فيما يخصه بما يلبي بشكل تراكمي المتطلبات الضرورية مع الاستمرار في توفير المال والوقت.
إن الخيارات الهجينة المختلطة التي تجمع بين النماذج المختلفة لتلبية أجزاء متنوعة من الاحتياجات بشكل مبتكر يمكن أن تلبي المتطلبات الضرورية بشكل تراكمي مع التوفير المستمر للوقت والمال. ففي منطقة المهمة التي تكون فيها الحكومة مستعدة لاستخدام الأنظمة التجارية، فيمكنها شراء الخدمات التجارية، وشراء الأصول التجارية، مع الاستمرار في استخدام الاستحواذ التقليدي لتلبية الاحتياجات التي لم يتم تلبيتها بما هو متاح تجاريًا. وفي ظل توسع الخدمات التجارية ونضجها، سيكون لدى الحكومات المزيد من الخيارات للاعتماد في المقام الأول على الإمكانات التجارية جانبًا إلى جنب مع الاستحواذ التقليدي الذي يسد الثغرات المتخصصة. وحتى بالنسبة لمناطق المهام التي لا ترغب الحكومة في التخلي عن سيطرتها فيها لصالح مقدمي الخدمات التجاريين، فإن الحكومة تستطيع شراء فقط الأصول والخدمات التجارية لتكملة أنظمتها الرئيسية المصممة وفقًا لمتطلباتها الخاصة.
في ظل توسع الخدمات التجارية ونضجها،سيكون لدى الحكومات المزيد من الخيارات للاعتماد في المقام الأول على الإمكانات التجارية جنبًا إلى جنب مع الاستحواذ التقليدي الذي يسد الثغرات المتخصصة.
– الدكتور جيمي مورين
إن هذه الخيارات الهجينة المختلطة لا تتطلب أي أساليب تعاقدية غريبة. وعلى الرغم من ذلك، فإن تحقيق هذه المتطلبات بشكل صحيح قد يتطلب التحول في عملية الاستحواذ للتركيز على شراء الإمكانات الحالية بدلاً من تطويرها من الصفر، وكذلك تشجيع التفكير الابتكاري لبناء المرونة في الخطوات الإجرائية للمتطلبات. ولعل من أشهر القصص عن متطلبات الدفاع التي أصبحت مرهقة للغاية هي قائمة متطلبات الجيش الأمريكي لكعكات الفاكهة في الثمانينيات. وكما ذكرت صحيفة واشنطن بوست، أن الجيش كان لديه قائمة مكونة من 18 صفحة بالمواصفات العسكرية لكعكة الفاكهة التي تُؤكل في العطلات. قرأ حينها السيناتور سام نان الوصفة في قاعة مجلس الشيوخ، مشيرًا إلى أنه إذا ذهبت وزارة الدفاع “إلى هذا الحد في صنع كعكات الفاكهة… فيمكنك فقط أن تتخيل كيف ستكون المعايير والمواصفات حتى بالنسبة لأنظمة الأسلحة الأساسية” (Weisskopf, 1985). وعليه في هذه الحالة، فقد استجابت الحكومة الأمريكية وتخلصت في النهاية من المواصفات العسكرية، مما كان له تأثير في خلق المزيد من المرونة في المتطلبات والمعايير للعديد من العناصر. واليوم، تدرس الحكومات إجراء المزيد من التعديلات على منظمات وعمليات الاستحواذ الخاصة بها كرد فعل للزيادة الكبيرة في عدد مقدمي الخدمات الفضائية التجارية.
الاستخدام الدولي لإمكانات الفضاء التجاري
ليست الولايات المتحدة وحدها من يستخدم إمكانات الفضاء التجاري، حيث تدرس دول أخرى خيارات استخدام إمكانات الفضاء التجاري لتلبية الاحتياجات الحكومية وبناء صناعاتها الفضائية المحلية وذلك لأسباب عديدة من بينها وجود خيارات للاعتماد على شركاتها الخاصة في الخدمات والإمكانات التجارية. وتعد كوريا الجنوبية وسنغافورة مثالين للدول التي تركز على تطوير الفضاء التجاري، بما في ذلك التطبيقات العسكرية. وتقوم شركة هانوا (Hanwha) الكورية الجنوبية ببناء أقمار اصطناعية صغيرة للمراقبة، والتي سيكون لها تطبيقات مدنية وعسكرية من بينها مراقبة كوريا الشمالية (Kim, 2021). كما اشترت سنغافورة صورًا كهروضوئية تجارية أجنبية لصالح وزارة الدفاع (محادثة مع مسؤولين رسميين في سنغافورة، أكتوبر 2022). وعلى نطاق أوسع، فإن الدول تستثمر المزيد نحو تركيز الاهتمام على سياساتها الصناعية الفضائية.
حدود استخدام الفضاء التجاري للأمن القومي
العلاقة بالعمليات الحركية
قد لا تتناسب إمكانات الفضاء التجاري مع كل مهمة أمنية قومية. ومن الأمثلة الواضحة على ذلك الإمكانات وثيقة الارتباط بالتأثير الحركي. فعلى سبيل المثال: إذا سعت الدول إلى الحصول على شكل أو أكثر من أشكال إمكانات الأسلحة الفضائية (على سبيل المثال: الأسلحة من الأرض باتجاه الفضاء، أو من الفضاء باتجاه الفضاء، أو من الفضاء باتجاه الأرض)، فإن النموذج الثالث للاستحواذ على الإمكانات (الخدمات) سيكون إشكالية كبيرة، كما أن إمكانية تطبيق النموذج الثاني (التجاري الجاهز) ستكون محدودة كذلك، فقد لا تكون هذه الإمكانات مناسبة للأغراض التجارية لثلاثة أسباب رئيسية:
- إن الإمكانات المرتبطة بالعمليات الحركية بحاجة إلى التروي الشديد والتفكير الجاد. إحدى المزايا الأساسية، كما ذكرنا سابقًا، لشراء المنتجات أو الخدمات التجارية هي أن الحكومة تستطيع شرائها بسرعة بدلاً من الاضطرار إلى الخوض في متطلبات أو عمليات شراء طويلة. وعلى الرغم من ذلك، فلا ينبغي اتخاذ قرار مهم مثل استخدام أسلحة الفضاء على عجل، وذلك لأن العمليات الأكثر تقليدية تخضع لمزيد من الرقابة والتروي، وهو ما يبدو مناسبًا في هذه الحالة.
- كما ذكرنا سابقًا، فإن شراء الإمكانات أو الخدمات المتاحة تجاريًا يجلب معه مستوى معينًا من المخاطر؛ أما بالنسبة للإمكانات المرتبطة مباشرة بالعمليات الحركية، فيجب أن تكون الرغبة في المخاطرة أقل بكثير. في الوقت الذي قد تشتري فيه الحكومات أنظمة أسلحة أبسط من مقدمي الخدمات التجاريين مثل الأسلحة النارية، فمن المرجح أن يتم تصنيع إمكانات من أسلحة أكثر تعقيدًا مخصصة لتعكس ما تحتاجه الحكومة بدقة.
- من المرجح ألا تكون معظم إمكانات الفضاء المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالعمليات الحركية ذات استخدام مزدوج؛ وهو ما يزيد الأمر صعوبة بأن يُتصور أن القطاع التجاري سيطور مثل هذه الإمكانات للأسواق التجارية. إن استخدام إمكانات الفضاء التجارية لتطبيقات الدفاع أمر منطقي لأن هذه الإمكانات ذاتها يمكن استخدامها لأغراض تجارية ودفاعية. ولن تندرج أسلحة الفضاء ضمن هذه الفئة؛ ولذلك، فمن غير المرجح أن يطورها مقدم الخدمة التجارية ما لم تدعو الحاجة إلى تلبية متطلبات محددة من حكومة واحدة أو أكثر. تمنح معاهدة الفضاء الخارجي الدول مسؤولية الترخيص بأنشطة الفضاء، لذا فمن المرجح أن يُنظر إلى إمكانات الفضاء التجارية المرتبطة باستخدام العنف على أنها تخضع لسيطرة الدولة المرخص لها.
يوضح الشكل 1 نطاق الخيارات للاستحواذ على إمكانات الفضاء العسكري، موضحًا الإمكانات التي سيتم تطويرها بشكل مناسب في ظل نماذج أكثر تقليدية (الأزرق) مقابل النموذج الثاني للاستحواذ على الإمكانات التجارية (الأصفر) والنموذج الثالث للاستحواذ على الخدمات من الإمكانات المملوكة تجاريًا (البرتقالي). وبالتحرك من اليسار إلى اليمين، تتحول الإمكانات الفضائية من الإمكانات غير الضارة (على سبيل المثال: المحطات الأرضية) إلى إمكانات تعزيز القوة (على سبيل المثال: الاتصالات والاستخبارات التكتيكية في سلسلة القتل) إلى قدرات تطبيق القوة المباشرة الأكثر ارتباطًا باستخدام العنف (على سبيل المثال: أسلحة الفضاء). يتحول الشكل تدريجيًا من البرتقالي إلى الأصفر إلى الأزرق (يبدأ بسيطرة منخفضة في نهج الاستحواذ الثالث إلى سيطرة كاملة في نهج الاستحواذ الأول)، ولكن الألوان الثلاثة متداخلة لأن نموذج الاستحواذ على أي إمكانية ما لن يعتمد فقط على الارتباط بالعنف. وسيعتمد الأمر أيضًا على الخيارات المتاحة لتلك الإمكانية أو الخدمة من الشركات التجارية، والتي غالبًا ما تسعى لجمع رؤوس الأموال والاستثمار على أساس القدرة على خدمة السوق بالكامل وهو ما يمتد إلى ما هو أبعد من المشترين الحكوميين.
التعاون التجاري
إن الحكومات التي ترغب في الاستفادة من إمكانات الفضاء التجارية لأغراض الدفاع القومي ينبغي عليها أن تكون مستعدة كذلك للتواصل مع البائعين المحتملين للتعرف على كيفية استخدام أنظمتهم، وذلك لمعالجة المخاوف المتعلقة بالسمعة والمسؤولية والمخاطر التي قد تكون لدى شركات الفضاء التجاري. قد لا تشعر بعض الشركات التجارية بالارتياح تجاه استخدامها للأنظمة المتعلقة بالعمليات الحركية، مثل استخدام أنظمتها للاستهداف كجزء من عملية هجومية. قد يشعر آخرون بالقلق من أن فكرة طرح ملفهم الشخصي قد ينتج عنه أنشطة ضارة. قد يكون لدى الحكومات التي تتمتع بإمكانات فضاء تجارية محلية خيارات أكثر وثقة أكبر في العمل مع الشركات التجارية مقارنة بالحكومات التي تعتمد على أنظمة الفضاء التجارية الأجنبية. فقد أظهر الصراع في أوكرانيا – على سبيل المثال – أن أنظمة الفضاء التجارية قد تكون مهددة أو حتى أهدافًا للهجوم تمامًا مثل الأصول التجارية الأخرى في المجالات البرية والجوية والبحرية التي تعرضت للهجوم في الحروب الماضية (Dickey, 2022). وقد تقرر الشركات أن استخدامات معينة لأنظمتها تفرض مستوى غير مقبول من المخاطر، على الرغم من عد وضوح مدى قدرة اعتماد الشركات التجارية على قراراتها الخاصة، والذي قد يترتب عليه اعتبار أن أصولها غير قتالية. إن الشركات والحكومات ينبغي عليها مناقشة المخاوف والخيارات وذلك إذا ما ظهرت الأزمة.
الخاتمة
يمثل الطوفان الأخير من إمكانات الفضاء التجارية فرصة هائلة لدعم الاستراتيجية والخطط والعمليات العسكرية؛ ومع ذلك فهناك أسئلة هامة ستحتاج الحكومات إلى معالجتها إذا أرادت الاستفادة من هذه الأنظمة لأغراض الأمن القومي. ستحتاج الحكومات للنظر في نماذج الاستحواذ التي ترغب في توظيفها لاستخدام الأنظمة التجارية، وأنواع المهام التي قد تكون الأكثر ملاءمة للإمكانات أو الخدمات التجارية، والمناقشات والشراكات التي تحتاج إليها مع الأطراف الفاعلة التجارية. ونظراً لصعود الفضاء التجاري، على المستويين الكمي والنوعي، فينبغي للحكومات أن تركز على هذه المسائل في المدى القريب، فضلاً عن الخيارات المتاحة لتطوير صناعة الفضاء التجارية الخاصة بها. وفي حين أن إمكانات الفضاء التجارية ليست بديلاً كاملاً للقدرات الوطنية السيادية، ولا للشراكات بين الحكومات، إلا أنها توفر فرصة نفوذ هامة للحكومات (سواء اللاعبين الرئيسيين في مجال الفضاء أو الوافدين الجدد) التي تسعى إلى تعزيز أغراض أمنها القومي.