مقدمة
بحسب بيتر سينجر (Peter Singer) فإن القرن الحالي يشهد “بداية أعظم ثورة شهدتها الحرب منذ ظهور القنبلة الذرية”، كما تابع قائلًا “لقد بدأت البشرية في فقد احتكارها – الذي استمر 5000 عام – [بشأن] المعارك الحربية” (Singer, 2009). تهدف هذه الورقة البحثية إلى تقديم برهان وتحديث أو يمكن القول بأنها فعليًا امتداد لهذا الخطاب القوي المعني بتقييم ما يمكن أن يُطلق عليه الثورة الصناعية في الذكاء الاصطناعي العسكري (AI). كما هو مفهوم من المصطلح فهو يعبر عن تغير تحويلي في تأثير الذكاء الاصطناعي (AI) على القوة الجوية والقاعدة الصناعية الدفاعية المرتبطة بهذه القوة. جميع التطورات التكنولوجية الجوهرية والتي تتضمن تغييرات في المنتج تحث بالضرورة على استيعاب التغييرات الهيكلية على المستوى الصناعي، وكذلك الأمر لا يختلف بالنسبة لهذه الثورة. إن موجات الابتكار المعززة بالذكاء الاصطناعي (AI) تكتسح القدرات والاتفاقيات والهياكل العسكرية والصناعية القديمة. يمثل الذكاء الاصطناعي (AI) تغيير تدريجي في أنظمة التكنولوجيا العسكرية، حيث تركز هذه الورقة على خمسة تطبيقات لاستخدام الذكاء الاصطناعي (AI) في الجيل التالي لإيصال القوة الجوية، وهذه التطبيقات هي الأنظمة الذاتية، ومساعدو الطيار الافتراضيون “الأفتار” (Avatar)، وسرب (الأسراب للطائرات بدون طيار)، والشراك الذاتية المخادعة.
إن موجات الابتكار المعززة بالذكاء الاصطناعي (AI) تكتسح القدرات والاتفاقيات والهياكل العسكرية والصناعية القديمة.
– البروفيسور رون ماثيوز
الثورة في الشؤون العسكرية (RMA) والثورة الصناعية الرابعة (4IR)
تعتمد البيئة العسكرية المعاصرة على التغيير الثوري، والابتكار التحويلي، والتكنولوجيات التخريبية، وتزايد مضاعفات القوة كثيفة الذكاء الاصطناعي (AI). إن ارتباط الجيش بالثورات التقنية طويل الأمد، إلا أن هذه العملية أصبحت اليوم أكثر انتشارًا لأنه يترتب عليها تغييرات جذرية في العقيدة والبُنى التشغيلية والقيادة والتحكم (C2). الثورة في الشؤون العسكرية (RMA) هي وصف للتغيير الجوهري في مجموعة من المجالات العسكرية، ليس فقط أنظمة الأسلحة ولكن كذلك في الأنظمة المرتبطة بها، مثل تلك التي توفر وظائف الدعم المتنوعة، مثل اللوجستيات والاستحواذ والبحث والتطوير (Matthews, 2001).
يوجد جدل أكاديمي حول ما إذا كان ارتباط التغيير التقني بالجيش أمرًا ثوريًا – وهل يعكس التغييرات التكنولوجية العميقة المتنوعة مثل ظهور السفن الحربية المدرعة المكسوة بالحديد والتي تعمل بالطاقة – أم أنه مجرد تطور نتيجة التزايد المستمر في الابتكار. من الممكن وخلال فترة زمنية قصيرة نسبيًا إدراك أن الابتكار التدريجي “المستمر” يأتي ضمن سياق تكنولوجي ثوري. إن الدليل على هذا التقارب كان واضحًا منذ حرب الخليج، حيث اتسمت الديناميكيات بموجات مستمرة من التغيير التكنولوجي التخريبي، بدايةً من الذخائر الموجهة عن بعد إلى التأثيرات القائمة على البنية الفضائية، ومنصات التمويه، والحروب المتمحورة على الشبكات، ومؤخرًا الروبوتات المعززة بالذكاء الاصطناعي (AI)، والتعلم الآلي، وغيرها من التكنولوجيات الناشئة المرتبطة بالثورة الصناعية الرابعة (4IR).
إن الثورة الصناعية الرابعة (والتي يعود السبب الأول فيها إلى آلية البخار؛ والسبب الثاني إلى الكهرباء والإنتاج الضخم؛ والثالث خاص بتكنولوجيا المعلومات والإلكترونيات) تُعرَّف بأنها التكنولوجيا مزدوجة الاستخدام والتي تحمل إمكانية تحقيق اختراقات تكنولوجية في المجال المدني لتتحول إلى المجال العسكري والعكس بالعكس. لقد تطورت القوة الجوية بشكل متزايد مع مرور الوقت، وأصبحت كثيفة البحث والتطوير (R&D). لقد أدى التسارع الناتج في الابتكار إلى تحول كبير في القاعدة الصناعية الأساسية للدفاع، حيث ترتب على ذلك التحول من النموذج التقليدي “الأولي” القائم بدور متكاملات الأنظمة إلى نموذج توزيع العمل على مئات المقاولين من الباطن المتخصصين والفعالين والمبتكرين وذلك من خلال مجموعة متنوعة من القطاعات الصناعية. يتألف هؤلاء المورّدون من سلاسل إمداد هامة، ممن يشاركون في حل المشكلات التقنية من خلال التقارب العنقودي مع عملائها الأساسيين لصياغة حلول جديدة ومبتكرة لمواجهة التحديات التقنية.
لقد كانت سلاسل “القيمة” مأهولة بشركات متخصصة على مر الأجيال، ممن يقدمون الخدمات الأساسية مثل أدوات إصلاح الآلات، والاتصالات السلكية واللاسلكية، والمعادن المتخصصة، والمسبوكات، وحزم أسلاك التوصيل. وعلى الرغم من ذلك فقد تطورت المهارات المتأصلة في سلاسل القيمة – في الآونة الأخيرة – لتركز على تقنيات الجيل التالي والتصغير؛ وخصوصًا التصغير بسبب الاهتمام المنصب على الفضاء والوزن في المنصات الحديثة. بالنظر إلى هذه الأمور مجتمعة، فإن الثورة الصناعية الرابعة (4IR) الحالية “التخريبية” ستؤدي إلى إعادة الضبط التكنولوجي لكل من الأنظمة العسكرية المعقدة وعمليات الإنتاج الأساسية المرتبطة بها.
تشمل التقنيات التخريبية المتميزة على الأنظمة التي تفوق سرعة الصوت، والمنصات الذاتية، والبيانات الضخمة، والحوسبة الكمية، والذكاء الاصطناعي (AI)، ويمكن القول بأن هذا الأخير (AI) هو أكبر مغير لقواعد اللعبة. إن الأنظمة المدعومة بالذكاء الاصطناعي (AI) تظهر إمكاناتها لأول مرة في تحليل البيئة الاستراتيجية واتخاذ القرارات وإظهار السلوك الذي يتطلب الإدراك؛ إنها تعمل في عالم افتراضي يمثله المساعدون الرقميون وبرامج تحليل الصور التي يمكن دمجها داخل الأجهزة في العالم الحقيقي الواقعي، وفي الروبوتات والطائرات بدون طيار والأنظمة المماثلة (Okyay, 2023). إن الروبوتات التي تعمل على أساس “الحس والتفكير والتصرف أو القرار” تتزايد أعدادها حاليًا على مستوى العالم، وهو ما يعكس القدرة على مراقبة البيئة (الحس)، واستغلال الذكاء الاصطناعي (AI) لاتخاذ قرارات بشأن كيفية الاستجابة (التفكير) وتنشيط المؤثرات كرد فعل لهذه العوامل (التصرف أو القرار) (Singer, 2009).
يعد الذكاء الاصطناعي (AI) أمرًا محوريًا في هذه العملية، ولكن يجب توخي الحذر في كيفية تعريف الذكاء الاصطناعي (AI). فعلى سبيل المثال، بالرغم من أن المركبات الجوية بدون طيار (UAV) – التي يتم التحكم فيها عبر محطة أرضية مأهولة – تعمل بدون طيار إلا أنها ليست مستقلة أو ذاتية، وبالتالي فهي لا تُعد أحد أنظمة الذكاء الاصطناعي (Naik, Fin Express 2023). وعلى النقيض، فإن البنتاغون يعرف النظام الذاتي الكامل المشتمل “بشكل عام” على الذكاء الاصطناعي (AI) بأنه نظام قادر على الاستحداث والاختيار بشكل مستقل من بين مسارات التصرف المختلفة، وذلك لتحقيق الأهداف بناءً على إدراكه وفهمه للبيئة بنفسه وتقييمه للموقف (Macintyre, 2018).
حتى الآن، لم يتم تطوير أي نظام مستقل بالكامل، ولكن هناك حوالي 400 سلاح وأنظمة روبوتية مستقلة جزئيًا قيد التطوير في اثني عشر دولة، بما في ذلك إسرائيل؛ موطن “Harpy”: هي طائرة بدون طيار من طراز “كاميكازي” (Kamikaze) تهدف إلى البحث عن أنظمة الرادار وتدميرها من تلقاء نفسها، وذلك دون إذن بشري، حيث تتسكع في السماء حتى يظهر الهدف (Macintyre, 2018). إن الأنظمة المعززة بالذكاء الاصطناعي (AI) سيكون لابد لها من تأثير واسع ومنتشر عن طريق التغييرات الجوهرية في الترابطات في ساحة المعركة، وهياكل القوة، وطبيعة الحرب، وهو ما سيخلق ميزة تنافسية للفوز بالحرب في النزاعات المستقبلية (Wirtz, 2023).
نظرًا لأن الابتكارات التخريبية مثل الذكاء الاصطناعي (AI) تعطي مزايا قوية، فإن المنافسة الاستراتيجية ستتطور حتمًا مدفوعة بضرورة خرق الوضع الراهن على مستوى الميزان النسبي للقوة العسكرية. يوضح الشكل 1 حالات الاستخدام المتزايدة للذكاء الاصطناعي (AI) في الجيل التالي من القوة الجوية، إلا أن الإمكانات الكاملة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي (AI) لم تتحقق بعد. تشير التقديرات إلى أن استثمارات الولايات المتحدة والصين في الأنظمة التي تدعم الذكاء الاصطناعي (AI) بلغت أكثر من 3 مليارات دولار أمريكي عام 2020، وهو رقم يُرجح أن يكون أقل من الواقع لأنه من الممكن أن يكون هنالك تمويلات إضافية في البحث والتطوير (National Defense, 2022; Harper, 2023; Albon and Demarest, 2023). تُكثف الجيوش في جميع أنحاء العالم جهودها على نحو متزايد لتطوير التكنولوجيات المعززة بالذكاء الاصطناعي (AI) وإنشاء هياكل ومنظمات جديدة لتسريع تطوير هذه القدرات.
القوة الجوية المدعومة بالذكاء الاصطناعي
يتزايد القلق حول الأبعاد الأخلاقية لثورة الذكاء الاصطناعي (AI)، وخصوصًا الاستبعاد المحتمل للبشر من عملية صنع القرار في بيئة العمليات العسكرية. يرى كل من جاليوت وشولتز (Galliot and Schultz) (2020) – على سبيل المثال – انتقادًا حادًا بناءً على ما يلي:
أن قرارات الحياة أو الموت التي تتخذها الآلات تتجاوز خطاً أخلاقياً جوهريًا. تفتقر الروبوتات الذاتية إلى الحكم البشري والقدرة على فهم السياق. هذه الصفات ضرورية لاتخاذ خيارات أخلاقية معقدة في ساحة معركة ديناميكية، وذلك للتمييز بشكل كاف بين الجنود والمدنيين، ولتقييم شدة الهجوم. نتيجة لذلك، لن تفي الأسلحة الذاتية بالكامل بمتطلبات قوانين الحرب. استبدال القوات البشرية بالآلات يمكن أن يجعل قرار خوض الحرب أسهل، وهو ما قد يزيد من عبء النزاع المسلح على عاتق المدنيين. سيؤدي استخدام الأسلحة الذاتية بالكامل إلى خلق فجوة في المساءلة حيث لا يوجد وضوح بشأن من سيكون مسؤولاً قانونًا عن تصرفات الروبوت: القائد أو المبرمج أو الشركة المصنعة أو الروبوت نفسه. بدون المساءلة، فسيقل الحافز لدى الأطراف نحو ضمان عدم تعرض المدنيين لخطر الروبوتات، وسيصبح الضحايا غير راضين عن معاقبة شخص ما على الأذى الذي تعرضوا له.
على الرغم من هذه المعضلات الأخلاقية، فإن تأثير الذكاء الاصطناعي (AI) في القوة الجوية أمرًا مُقنعًا. ظهرت خمسة استخدامات للذكاء الاصطناعي (AI) في القتال الجوي، وجميع هذه الاستخدامات لديها القدرة على تغيير طبيعة الحرب ذاتها خلال السنوات القادمة بشكل كبير. الاستخدام الأول يخص المنصات الذاتية، حيث تمضي الولايات المتحدة قدمًا في هذا المجال، كما أوضحت الوكالة الأمريكية للمشروعات البحثية الدفاعية المتقدمة (DARPA) (2023) عن برنامجها الرائع تطور القتال الجوي (ACE). في أقل من ثلاث سنوات، تمكنت خوارزميات الذكاء الاصطناعي (AI) من الانتقال من مجرد محاكاة للمعارك الجوية طراز F-16 على شاشات الكمبيوتر إلى التحكم الفعلي بها أثناء الطيران في معركة حقيقية.
إن التعاون الوثيق متعدد الشركاء بين كل من الوكالة الأمريكية للمشروعات البحثية الدفاعية المتقدمة DARPA))، ومدرسة اختبار الطيارين التابعة لسلاح الجو الأمريكي، ومختبر أبحاث القوات الجوية، ومقاولي تطوير الذكاء الاصطناعي AI))، قد حقق عدة أهداف من برنامج تطور القتال الجوي (ACE) كالتالي: أولاً: أثبت أن وكلاء الذكاء الاصطناعي (AI) لديهم القدرة في السيطرة الكاملة على القتال الجوي؛ ثانيًا: تم تصميم البرنامج لتخطي مراحل النطاق الفرعي والمضي قدمًا مباشرةً في تنفيذ النموذج الأولي، مما يوفر عامًا على الأقل في عملية التطوير؛ ثالثًا: سهل برنامج تطور القتال الجوي (ACE) البحث عن طياري “الثقة” المتمثلين في وكلاء الذكاء الاصطناعي (AI) أثناء القتال الجوي داخل النطاق البصري (المعارك القتالية)، في حين يركز الطيار البشري على المهام الأكبر الخاصة بإدارة المعركة. إن إمكانات الطائرة المقاتلة ذاتية التحكم تبدو هائلة، وقد أُثبت ذلك في وقت مبكر من برنامج تطور القتال الجوي (ACE) عندما نجح “وكلاء” الذكاء الاصطناعي (AI) في محاكاة طائرات F-16 بهزيمة طيارًا مقاتلًا متمرسًا لطائرة طراز F-16 يطير في جهاز محاكاة وذلك أثناء منافسة قتالية افتراضية.
يتعلق التطوير الثاني الهام الذي يقوده الذكاء الاصطناعي (AI) للقوة الجوية بالتجارب على الطائرة خليفة يوروفايتر تايفون (Eurofighter Typhoon)، وهي طائرة تيمبيست (Tempest) من الجيل السادس. تيمبيست (Tempest) هو نظام تعاوني دولي للطائرات القتالية المستقبلية (FCAS) تقوده المملكة المتحدة، ويضم إيطاليا واليابان كشريكين أساسيين والسويد شريك هامشي (Martin, 2023). لقد دخلت تيمبيست (Tempest) في مرحلة وضع التصور، ومن المخطط أن يكون منها نسختين مأهولة وغير مأهولة، كما أنه من المتوقع مسبقًا أن يكون لديها أفتار مُبتكر (وكيل ذكاء اصطناعي) يعمل كطيار مساعد. أجهزة استشعار الطائرة التي تتحكم في الأفتار والأنظمة الأخرى الموجودة على الطائرة سعتها تُقدر بأنها تعادل “حركة الإنترنت في مدينة كبيرة، مثل إدنبرة لكل ثانية Leonardo corporate website, 2020))؛ حيث أن لديها القدرة على معالجة أكثر من 10000 مرة من بيانات المسرح العسكري مقارنة بطائرة تايفون (Typhoon) السابقة (Fisher, 2020).
كما هو الحال مع وكيل الذكاء الاصطناعي (AI) في الطائرات F-16، فإن الدور الأساسي للأفتار يتمثل في تحديد الوقت الذي يكون فيه الحمل زائد على الطيار البشري، ومن ثم يتولى الأفتار مسؤولية التشغيل لمجموعة من المهام للسماح للطيار البشري بالتركيز على المهام القتالية “الأساسية” (Ford, 2020). يوفر الأفتار كذلك زيادة في الفعالية من ناحية التكلفة بسبب خفض وزن الطائرة، فضلاً عن المرونة التشغيلية من خلال البرمجة التي تتيح رد الفعل على السيناريوهات المتعددة بما في ذلك التشويش الإلكتروني، والتحكم في الأسلحة، وحتى التحكم والهبوط بالطائرة في حالة فقدان الطيار البشري (Makichuk, 2020).
يسلط برنامج تيمبيست (Tempest) الضوء أيضًا على ابتكار ثالث مدفوع بالذكاء الاصطناعي (AI)، وهو “الأجنحة الموالية”. كما هو مبين في الشكل 1، يتم تعريف مضاعفات القوة بأنها أنظمة جوية ذاتية التشغيل منخفضة التكلفة (UAS) تنتشر جنبًا إلى جنب مع الطائرات المأهولة للعمل إما كأصول تكميلية أو كشراك لحماية النظام المأهول من الدفاعات الجوية المعادية (Stevenson, 2019). تيمبيست (Tempest) هو مجرد برنامج من بين عدة برامج لتطوير الأجنحة الموالية، بما في ذلك برامج أخرى في فرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. فعلى سبيل المثال، فإن نظام الفرق المحمولة جوًا (Airborne Teaming) التابع لشركة بوينج (Boeing) عبارة عن جناح شبه ذاتي مدعوم بالذكاء الاصطناعي (AI)، ويحتمل أن يكون جناحًا مواليًا تحت مسمى الخفاش الشبح MQ-28A (Dangwal, 2022) (MQ-28A Ghost Bat). إن الخفاش الشبح (Ghost Bat) لديه القدرة على التحرك نحو العدو جنبًا إلى جنب مع الطائرات المأهولة – مثل F-35 حيث يقوم بآداء المهام بشكل ذاتي، كما أن لديه نطاق طيران كبير يبلغ 3700 كم (Perrett, 2021).
وفقًا لتقرير معهد ميتشيل للطيران والفضاء (2020)، فإن تبني الأجنحة الموالية يمنح مرونة تشغيلية ناتجة من الذاتية المدعومة بالذكاء الاصطناعي (AI) بالإضافة إلى الطائرات منخفضة التكاليف والتي تُعدمن المستهلكات/ القابلة لإعادة الاستخدام وبالتالي زيادة القدرة القتالية والفتاكة والقدرة على البقاء في البيئات المتنازع عليها. علاوة على ذلك فإنها تزيد من نطاق فعالية المستشعر ونصف قطر القتل لأصول F-22s وF-35As والجيل القادم من الهيمنة الجوية. ومع ذلك، لازالت هنالك عقبات فنية تستدعي التغلب عليها – أولاً: التوافق التشغيلي البيني يُعد أمرًا ضروريَا (Hadley, 2022)؛ ثانيًا: لا يزال غير واضح هل لدى الطيارون المقاتلون الوقت أثناء العمل لإدارة المساعدين شبه الذاتيين؛ ثالثًا: لا يزال غير واضح هل لدى الجناح الموالي القدرة على الهروب بعيدًا عن التهديد بأي طريقة كانت مثل تلك السرعة لدى المقاتلين الفعليين، فعلى الرغم من أن ضعفهم قد يتم تعويضه جزئيًا بالتخفي، إلا أنه يجب ملاحظة أنها تُعد أصول من المستهلكات إلى حد ما (Perrett, 2021).
إن مميزات هذه الصورة من العمل الجماعي بين العنصر البشري والآلة تستقطب الجيوش، حيث يبدو ذلك جليًا من العمل سريع النضج الذي تقوم به الصين على التكنولوجيات المرتبطة بعملية “حشد” الطائرات بدون طيار (Nurkin, 2020). إن أسراب الطائرات بدون طيار تمثل الجزء الرابع في هذه الورقة من بين أنظمة الطيران المعتمدة على الذكاء الاصطناعي (AI)، والتي تُعرّف على أنها عدد كبير من الأشياء الحية أو غير الحية التي يتم تجميعها معًا وعادة ما تكون متحركة، والتي تتيح طريقة للجمع بين الوعي بالأوضاع والمراوغة والكتلة والسرعة والتنقل والمفاجأة (Sanders, 2017). لقد ترتب على العمليات العسكرية باستخدام العديد من المركبات الجوية بدون طيار (UAVs) إلى الحد من عدد الطائرات المشاركة إلى رقم واحد أو رقمين فقط حتى الآن. وعلى الرغم من ذلك فإن الوكالة الأمريكية للمشروعات البحثية الدفاعية المتقدمة (DARPA) تسعى إلى نشر ما يصل إلى 1000 طائرة بدون طيار – وربما أكثر – فيما يسمى بسرب الأسراب (Crumley, 2023).
إن أسراب الطائرات بدون طيار تمثل أنظمة أسلحة من الجيل التالي والتي ستؤثر بشكل كبير على طبيعة الحرب. لقد تقدمت أعمال التطوير الأمريكية في هذا المجال، حيث يتطور سلاح مشاة البحرية بمفهوم أسراب الطائرات بدون طيار من طراز كاميكازي (Kamikaze)، في حين يسعى الجيش والقوات الجوية والبحرية والوكالة الأمريكية للمشروعات البحثية الدفاعية المتقدمة (DARPA) إلى اتباع مفهوم الأسراب المنفصلة (Hambling, 2021). يتمثل التحدي الرئيسي لأسراب الطائرات بدون طيار ذاتية التحكم في الهمهمة، أي ضمان إلى أي مدى ستستطيع مجموعات الأصول من الروبوتات تنسيق الطيران فيما بينها بفاعلية ودون اصطدام. لقد أشارت دراسة للجيش الأمريكي عام 2018 بأنه إذا تحقق ذلك، فإنه حتى الأسراب الأساسية ستجعل الطائرات الهجومية بدون طيار أكثر فتكًا بنسبة 50 في المائة على الأقل مع تقليل الخسائر من النيران الدفاعية بنسبة 50 في المائة (Hambling, 2021).
تتمثل الخطوة المنطقية التالية في تطوير “سرب الأسراب”، والذي سيشمل نظام سرب طائرات بدون طيار ذاتية مزودة بالذكاء الاصطناعي (AI) والذي سيقود أسرابًا أخرى – والتي تُترجم بالضرورة إلى آلاف الطائرات بدون طيار سواء سطحًا، وتحت الماء، وأرضًا – والتي ستكون لديها القدرة على التغلب على دفاعات العدو (Satam, 2023). لا يزال هذا المفهوم قيد التطوير، إلا أن البنتاغون على استعداد لدفع 75 مليون دولار أمريكي للشركات القادرة على التقدم فيما تسميه الوكالة الأمريكية للمشروعات البحثية الدفاعية المتقدمة (DARPA) بمصطلح “سرب الأسراب الذاتية التكيفية متعددة المجال” (AMASS) (Crumley, 2023). إن أحد أهداف البنتاغون الأساسية وراء ذلك يتمثل في نشر سرب الأسراب للاستحواذ على قدرات مضادة بهدف منع الوصول/ إغلاق المناطق (A2/AD) كرد فعل على المخزونات الهائلة من الصواريخ المضادة للسفن والمركبات البحرية التي قد تتعرض لقواتها في الصراعات الكبيرة مستقبلًا.
إن نجاح تطوير هذه التكنولوجيا قد يترتب عليه خلق ميزان جديد للقوى العسكرية ولكنه قد ينتج عنه خطرين رئيسيين: أولاً: يُوجد قلق من أن الفعالية “الزائدة” المحتملة للأسراب في عمليات البحث والتدمير يمكن أن تُضعف من قدرات الضربة النووية الثانية، وبالتالي زعزعة استقرار التوازن الاستراتيجي القائم على أساس نووي؛ وثانيًا: قد تضغط سرعة وكفاءة الأسراب على معدل استجابة صانع القرار، مما يؤدي إلى منطق “استخدمها أو فقدها” الذي يزيد من احتمالية التصعيد، ربما إشعال الحرب النووية (Gagaridis, 2022).
يمثل الشرك الذاتي خامس تطبيق مدفوع بالذكاء الاصطناعي (AI) ذو تأثير كبير على القوة الجوية. يعمل البنتاغون على هذه التكنولوجيا منذ عقود، حيث يأتي ذلك مدفوعًا بضرورة تشتيت نبضات الرادار التي تقتفي أثر طائرات القوى الهجومية. لقد تحققت خطوات ملحوظة مع الذكاء الاصطناعي AI))، بما في ذلك تطوير مركبة طيران ذاتية قابلة للبرمجة ذات قدرة فريدة على محاكاة الطائرات الأمريكية أو الحليفة. وقد أطلق على هذه التقنية اسم الشرك المصغر المنطلق في الهواء (MALD). إنه عبارة عن طائرة منخفضة التكلفة من المستهلكات تُطلق في الجو مصممة لخداع أنظمة الدفاع الجوي عالية التقدم (Raytheon, u/d).
يحتوي الشرك المصغر المنطلق في الهواء من إصدار (Mald-J) على أجهزة تشويش إلكترونية، والتي ينتج عن دمجها مع الشراك الخداعية إلى “خداع أنظمة الرادار وتشتيت انتباهها وتشبعها” بإشارات خاطئة (Hambling, 2016). بعد العديد من التحسينات التقنية، أصبح الشرك المصغر المنطلق في الهواء (MALD) الآن قادرًا على الاستفادة من معززات الرادار النشطة من خلال مجموعة من الترددات التي تخدع أنظمة الرادار المعادية لتقع في هذا الفخ المستهلك لفتح الطريق أمام الطائرات النايت هوك (Nighthawks) طراز F-117 أو حتى أمام الطائرات الضخمة قاذفات الحمولة طراز B-52 (Hollings, 2022). إن نشر عدد كبير من فخاخ التشويش في منطقة النزاع جنبًا إلى جنب مع الطائرات وصواريخ كروز، سيجبر أنظمة الدفاع الجوي المعادية على محاولة التمييز بين الرادارات الحقيقية والزائفة (Hollings, 2022).
التحول الصناعي في الدفاع
أعلن إيلون ماسك مؤخرًا … “لقد ولى عصر الطائرات المقاتلة”، ومعها على الأرجح … “نهاية الحقبة الصناعية العسكرية نفسها” (Insinna, 2020). إن الثورة الصناعية في الذكاء الاصطناعي العسكري (AI) تؤدي حاليًا فعليًا إلى تغييرات جذرية في القدرات العسكرية الهجومية، وبالإضافة لذلك وبالتوازي معه، فهنالك تغييرات هيكلية وتنظيمية تحويلية تحدث في القاعدة الصناعية الدفاعية. تاريخيا، فإن تطور مقاولي الباطن المتخصصون يتطورون في ظل تطور العملية الصناعية. قد يتضمن ذلك عملية تقارب تكنولوجي، حيث أن المنتجات المتنوعة نهائية الصنع (على سبيل المثال: محركات السكك الحديدية والمطابع والأسلحة) والتي تتطلب نفس العمليات الهندسية الأساسية (مثل الآلات والمطروقات والمسبوكات) سينتج عنها حجم كاف من الطلب وهو ما سيكون مبرر “للتفكك” الرأسي (نقل عمليات الإنتاج الرأسية من “المصنعين الأساسيين” إلى الموردين الخارجيين)؛ إنه التقسيم الصناعي اللاحق للعمل والذي سيقود تطور سلاسل التوريد لتصبح عالية الكفاءة ومبتكرة (Rosenberg, 1976).
ومع ذلك، فمن المحتمل أن يعكس الذكاء الاصطناعي (AI) اتجاه هذه العملية التطورية بشكل جزئي، وقد يعيد الهياكل الصناعية إلى حقبة الكيانات الرأسية “المتكاملة” ما قبل الثورة. سيؤدي ذلك إلى تضاؤل أعداد سلاسل التوريد، وإزالة الآلات وأنشطة “تشكيل المعادن” منخفضة المهارات نسبيًا واستبدالها بعمليات تصنيع الذكاء الاصطناعي (AI) ومقاولي الباطن الاختصاصيين من غير المجال الدفاعي. إن ذلك التحول نحو التكامل الرأسي، واستخدام تكنولوجيات الثورة الصناعية الرابعة (4IR)، والتلاقح القطاعي للابتكار يمكن أن يفيد بشكل كبير القوة العسكرية الناشئة، والتي عادة ما تعاني من فراغ ابتكاري بسبب عدم وجود مقاولي الباطن المتخصصين. يتمتع الذكاء الاصطناعي (AI) بإمكانية استبدال مصممي البرامج ومطوري الويب ومبرمجي الكمبيوتر والمبرمجين وعلماء البيانات من خلال إنشاء قسم ربوتي داخلي للعمل كمدمجين ضمن المقاولين الأساسيين.
يتمتع الذكاء الاصطناعي (AI) بإمكانية استبدال مصممي البرامج ومطوري الويب ومبرمجي الكمبيوتر والمبرمجين وعلماء البيانات من خلال إنشاء قسم ربوتي داخلي للعمل كمدمجين ضمن المقاولين الأساسيين.
– البروفيسور رون ماثيوز
وبحسب أرايا (Araya) (2022)، فإن التحول في قطاع الطيران سيكون مدفوع بتطبيق تقنيات الثورة الصناعية الرابعة (4IR) المدعومة بالذكاء الاصطناعي (AI). هنا، سيحدث الخلل الناجم عن التوافق بين التغييرات التكنولوجية والمؤسسية والتي ستستبدل الأنظمة القديمة ببُنى وحدود وإمكانات هائلة بصورة غير متكافئة. يعتقد أرايا (Araya) أن الذكاء الاصطناعي (AI) قوة مضاعفة للابتكار التحويلي لخلق بصمة عسكرية. يتضح هذا من خلال أساليب التصنيع الجذرية المستخدمة لإنتاج الجيل التالي من مقاتلات Tempest. تم إجراء بحث حديث (Matthews and Al-Saadi, 2022) يوضح بالتفصيل التغييرات الدراماتيكية والفجوة بين الأجيال بمقارنة كل من تيمبست (Tempest) وتايفون (Typhoon). على سبيل المثال، من المخطط أن تنتج تيمبست (Tempest) حوالي 30 في المائة من مكوناتها داخل الشركة من خلال التصنيع الإضافي (الطباعة ثلاثية الأبعاد)، مع تجميع 50 في المائة أخرى آليًا على خط تجميع شركة BAE Systems (Davies, 2020; Hollinger, 2020). فعلى سبيل المقارنة، يستخدم تايفون (Typhoon) التصنيع الإضافي بنسبة واحد بالمائة فقط ولا يستخدم الروبوتات في عملية الإنتاج (Hollinger, 2020).
تُستخدم حاليًا أرضية متجر تايفون (Typhoon) في المملكة المتحدة كقاعدة اختبار تجريبية لقياس فعالية هذه التكنولوجيات المتقدمة في التحول من مقاتلات الجيل الرابع إلى الجيل السادس. من المتوقع أن تقلل الطباعة ثلاثية الأبعاد والتقنيات الروبوتية من تكلفة ووقت إنتاج طائرة مقاتلة معقدة بنسبة 50 بالمائة؛ حيث تم فعليًا على أرض الواقع تحقيق اقتصادات رائعة، بما في ذلك خفض وقت الإنتاج لنظام واحد كبير موجود في جسم الطائرة الخلفي لتيمبست (Tempest) حيث انخفض زمن الإنتاج إلى شهرين فقط بدلًا من عامين (Hollinger, 2020). علاوة على ذلك، فإن الشركات غير التقليدية خارج قطاع الطيران تمثل بشكل متزايد جزءًا من سلسلة التوريد. فعلى سبيل المثال، تطور حاليًا شركة رولز رويس (Rolls-Royce) وحدات دفع طاقة أكثر كفاءة وأطول مدى لإنتاج كميات كبيرة إضافية من الحرارة. لتخزين وإعادة توجيه هذه الطاقة الإضافية إلى “أسلحة الطاقة الموجهة” في Tempest، فقد انضم قسم تابع لشركة متخصصة في سباقات السيارات إلى سلسلة توريد تيمبست (Tempest) بهدف توفير البطاريات وتخزين الطاقة وتكنولوجيا التبريد، حيث تم تجربتها أولًا بالكامل في مسارات سباق السيارات (Tovey, 2020).
الاستنتاجات
درست هذه الورقة تأثير الذكاء الاصطناعي (AI) على القدرة العسكرية في الثورة الصناعية الرابعة. يكمن الذكاء الاصطناعي (AI) في قلب المصفوفة الناشئة من التكنولوجيات التخريبية المرتبطة الجيش، لاسيما تكنولوجيات الطيران. تسعى العديد من الابتكارات إلى استبدال العنصر البشري من خلال طرح “وكلاء” افتراضيين أو رقميين وأنظمة ذاتية بدون طيار. لقد بدء الدفع العالمي نحو أنظمة ذاتية بالكامل، وذلك في ظل تزايد تمويلات الذكاء الاصطناعي (AI) العسكري مما يعكس تزايد أولويته. لقد أصبحت وتيرة التغيير دراماتيكية، وذلك لأن الدور الذي تلعبه التكنولوجيات الذاتية في تغيير قواعد اللعبة وضعها على أعتاب التحول المستقبلي للقوة الجوية.
إن الديناميكية نحو التكنولوجيا الذاتية أمر لا ينتهي، مما سيؤثر على تكوين الأنظمة الجوية والسطحية وتحت الماء. لقد حللت هذه الورقة فقط التطورات الناشئة المعززة بالذكاء الاصطناعي (AI) في القوة الجوية والتي سيكون لها أثر كبير نسبيًا على فعالية القتال. لقد تم طرح دراسات حالة حول خمسة استخدامات تخريبية للذكاء الاصطناعي (AI): احتضان فكرة الطائرات الذاتية المقاتلة، ورجال الجناح للطائرات بدون طيار، والأسراب، والشراك الخداعية، وحتى المفهوم المستقبلي للطيارين الأفتار. لا تزال التداعيات الأخلاقية مهمة وتتطلب معالجتها بأسلوب مناسب، وذلك في ظل سعي القوى العسكرية العظمى لتحقيق السبق. لقد تزايد انتشار الذكاء الاصطناعي (AI) ضمن المساعي الاقتصادية والعسكرية – المشترك مع طيف تكنولوجيات الثورة الصناعية الرابعة (4IR) – لأنه دائمًا ما يكون ذات طابع “مزدوج الاستخدام”. وفقًا لذلك، فإن التطورات التكنولوجية دائمًا تؤثر على عمليات الإنتاج الصناعي الجوهرية في مجال الدفاع. والنتيجة ستكون تقلص سلاسل التوريد، حيث سيعكس المقاولون الرئيسيون الاتجاه التطوري نحو تفكيك التصنيع وسيركزون بدلاً منه على التكامل. إن تلك الثورة الصناعية في الذكاء الاصطناعي (AI) في المجال العسكري لن تتوقف، كما أنها غامضة وواسعة الانتشار، ويبدو أنها تؤكد التوقعات السابقة بأن الحروب المستقبلية ستكون مختلفة تمامًا، وسيهيمن عليها الذكاء الاصطناعي (AI) والروبوتات.