مقدمة
لقد استفادت إمكانات الأنظمة الرقمية – على مدى العقود العديدة الماضية – من التقدم المستمر في القدرات الحسابية وسعة التخزين، مصحوبة بتحسينات كبيرة في الحجم والوزن وقدرة السعة التخزينية. إن هذه النتائج مذهلة لكل من العملاء التجاريين والصناعيين – فقد أصبحت الآن الأجهزة الرقمية القوية للغاية في أيدي حتى المستهلكين العاديين في جميع أنحاء العالم، كما أصبحت الطائرات العسكرية وأنظمة المركبات الفضائية في الوقت نفسه أخف وزنًا وأرخص وأكثر قوة، وذات قدرة أكبر على للاتصال بها، بالإضافة إلى الاستفادة من مصادر البيانات الهائلة. وبصورة أوضح، فإن الإمكانات الرقمية ــ الحوسبة، والمعالجة الرقمية، وإمكانية الوصول إلى المعلومات ودمجها وتوفيرها ــ هي بمثابة الخصائص الحاسمة للأنظمة القتالية المعاصرة.
لقد استخدم علماء البيانات والمبرمجون في الآونة الأخيرة هذه التطورات في الأجهزة لتحقيق طفرات مذهلة في الذكاء الاصطناعي (AI) – حيث تمثل هذه الطفرات مجموعة من التقنيات التي تدعم معالجة اللغة الطبيعية، والاستدلال، والسلوكيات المولدة، والتطور، والتعرف على الإشارات والصور، وغيرها من الأمور الأخرى. إن هذه الأدوات لا تتطلب أنظمة تتمتع بإمكانات معالجة متقدمة فحسب، بل تتطلب كذلك إمكانية الوصول إلى البيانات والمعلومات التي تدعمها ــ وهو المطلب الذي أصبح مفهوماً بشكل أفضل في ظل ظهور أدوات الإنترنت الأخرى مثل شات جي بي تي (Chat GPT) وجوجل بارد (Google Bard)، مع مراعاة ضرورة وضع القيود عليها. وتبدو القدرات العسكرية لهذه الإمكانات واضحة، فقد احتضنتها وزارة الدفاع الأميركية (DoD) كمصدر لتحسين الأداء، وربما الميزة التنافسية. لكن هذا السعي أدى إلى إحباط كبير، خاصة فيما يتعلق بوتيرة تبني أساليب جديدة ومدى إمكانية تطوير الأنظمة إلى ما بعد مجرد مرحلة العرض التوضيحي في هذا المجال. إن هذه الورقة تناقش هذا التحدي، وربما تقدم وجهة نظر مختلفة حول الاستحواذ على الإمكانات الرقمية.
نظرة شائعة ومنظور بديل
في الوقت الذي تنظر فيه الجيوش بحقد إلى الانتشار السريع للتكنولوجيات الرقمية المتاحة تجاريًا، فقد نشأ منظور شائع مبني على مجموعة من الافتراضات بدرجات متفاوتة من الحقيقة. إن هذا الأمر يستحق إعادة النظر في بعض هذه “البديهيات الرقمية” في ضوء التجارب الحديثة. فربما تقود هذه التجارب إلى تحديث الجيوش تحت مسار الاستحواذ الذي سيظل محبطًا. إن هذه النظرة الشائعة (أو ربما من الأفضل تسميتها “الكاريكاتير”) سنصفها هنا ببساطة. إن هذه الجدلية تُوصف كالتالي:
ستهيمن المعلومات على ساحة المعركة المستقبلية – وليس علم التأثير الحركي – كما أن تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي (AI) ستوفر إمكانات جديدة ومختلفة جوهريًا في الأنظمة القتالية العسكرية. وحيث أن الجيوش كانت بطيئة للغاية في إدخال التكنولوجيات الرقمية إلى أنظمة التشغيل، وهو ما سيترتب عليه تأخرها عن خصومها المحتملين تحديدًا في “تهديدات السرعة”. إن الحل لهذا التحدي هو الاعتماد بشكل كبير على قطاع التكنولوجيا التجارية، لاسيما النظام البيئي للشركات الناشئة ورأس المال المغامر التي تركز على الدفاع، وبما أن هذه الشركات ليست منظمة أو محفزة للعمل بإجراءات الاستحواذ النموذجية، لذلك يتعين على منظمات الدفاع الاتجاه إلى أساليب الاستحواذ غير القياسية.
دعونا نفكك ونفحص العناصر المختلفة لهذا الرأي.
الحقيقة البديهية رقم 1: ستهيمن المعلومات على ساحة المعركة المستقبلية - وليس التأثيرات الحركية - كما أن تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي (AI) ستوفر إمكانات جديدة ومختلفة جوهريًا في الأنظمة القتالية العسكرية.
حسنًا، ولكن نوعا ما….
صحيح أن الإمكانات العسكرية عديمة الفائدة في ظل غياب المعلومات، كما أن أولئك الذين يمكنهم تطبيق التكنولوجيات الرقمية الحديثة على أفضل وجه من المرجح أن يتمتعوا بميزة حقيقية في الصراعات المستقبلية. فعلى سبيل المثال: فإن برامج البحث والتطوير (R&D) – مثل نظام القيادة والتحكم المشترك في جميع المجالات (JADC2) – تهدف إلى ربط أجهزة الاستشعار وأجهزة الإطلاق بما يتيح تأثيرات حركية سريعة. إن مفاهيم الأنظمة القتالية المستقبلية في أوروبا وأماكن أخرى تفترض أن هذه الأنظمة مماثلة لهندسة أنظمة القوات الجوية من الجيل السادس، ولو على نطاقات أصغر. وصحيح كذلك أن التكنولوجيات كثيفة المعلومات المطورة تجاريًا – مثل الاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية التجارية والطائرات الصغيرة بدون طيار – قد لعبت دورًا في الصراعات الأخيرة مثل الصراعات في أوكرانيا.
إلا أنه وفي ظل استمرار الصراع في أوكرانيا، فإن الدرس الأكبر هو الصدى المحزن لكل حرب سابقة: إن هزيمة وتشريد القوات القتالية على الأرض هو مسعى صعب وعنيف بشكل غير عادي. تُظهر الصراعات الأخيرة الأهمية المستمرة لحرب الخنادق وزرع الألغام الكثيفة، وهي تكتيكات تم تطويرها منذ أكثر من قرن من الزمان في الحرب العالمية الأولى، وهو ما يتطلب مواجهة هذه التكتيكات. إن التفوق القتالي المستمر في ساحة المعركة (حيثما كان) لم يُنشأ من خلال التكنولوجيا التجارية المتطورة، بل تم إنشائه عن طريق أنظمة قتالية عسكرية فعالة ومدمرة للغاية بأعداد كبيرة.[1] إن الوعد الذي تمنحه التكنولوجيا المتقدمة لا ينفي الدروس المستفادة من آلاف السنين من الحرب: فهي مهمة صعبة وذات تأثيرات حركية.
تتمتع التكنولوجيات التجارية كثيفة المعلومات بالقدرة على إعادة تشكيل هذه الحسابات. لقد أدت السرعة والخفة في الحوسبة والتخزين والطاقة الكهربائية إلى خفض حجم ووزن وتكلفة الأنظمة القتالية لأي مستوى مطلوب من القدرة، بالإضافة لذلك فإنها تتيح تحكمًا وردود فعل أكثر تعقيدًا ومرونة داخل هذه الأنظمة وفيما بينها، وتخفف عبء المعلومات لصناع القرار البشريين داخل هذه الحلقة (مثل الطيارين أو مشغلي المركبات الفضائية). هنالك مفاهيم جديدة يتم تمكينها (على سبيل المثال، تلك المفاهيم القائمة على أعداد كبيرة من الأنظمة المنسقة فيما بينها لجمع القوة الحركية مع بعضها بأساليب جديدة ومختلفة).[2] وعلى الرغم من ذلك، فإن الأنظمة القتالية العسكرية القادرة على الاعتماد على نفسها ستستمر في الاعتماد على التكنولوجيات البسيطة (المحركات والهياكل والمتفجرات)، والأهم من ذلك، أنها ستعتمد على تكامل الأنظمة بين جميع المكونات التكنولوجية اللازمة بما في ذلك تكنولوجيات المعلومات.
دور الذكاء الاصطناعي (AI)
ما هو الدور الذي يجب أن يلعبه الذكاء الاصطناعي (AI) وإمكانات البرامج المتقدمة الأخرى في هذه الصورة؟ فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي (AI) بالنسبة للجيش بشكل عام، فمن المفيد أن نكون واضحين في الجزء الخاص بضخامة عالم إمكانات الذكاء الاصطناعي (AI) الذي نناقشه. يُوجد رهان راسخ في عالم المخاطرة التكنولوجية وهو الجوانب المتغيرة عالميًا لتكنولوجيات البرمجيات الرقمية، سواء بالنسبة للمجتمع أو الجيش. وهذا مزيج من الواقع والمبالغة. يعد التصنيف البسيط مفيدًا، ويعتمد كل تطبيق من التطبيقات أدناه بدرجة أكبر وأقل على عملية التعلم الآلي – وهو ما يُعرَّف أنه استخدام قواعد بيانات كبيرة لتدريب الآلات على التعرف على الأنماط في البيانات.
- الاستقلالية في الحركة: التطبيقات في العالم المادي التي تتصرف/تتفاعل وفقًا للظروف البيئية واحتياجات المهمة (باستخدام الحوسبة الموجودة على متن الطائرة أو الفورية المتصلة معها)
- الاستقلالية في السكون: تطبيق الأنظمة الافتراضية للتعرف على الأنماط واتخاذ الإجراءات المناسبة (بالاعتماد على البُنى التحتية الكبيرة للحوسبة وتخزين البيانات)
- نماذج اللغات الضخمة: خوارزميات مدربة على كميات كبيرة جدًا من نصوص اللغة البشرية لتوليد اللغة “الأكثر ملاءمة” وذلك للاستجابة على الطلبات العاجلة
- الذكاء الاصطناعي (AI) المُولِد: خوارزميات التدريب لإنتاج الصور والموسيقى ومقاطع الفيديو وما إلى ذلك، بناءً على كميات كبيرة من المحتوى المماثل
هناك جدلية قوية مفادها أن هذه التكنولوجيات لديها القدرة على إحداث تأثيرات عميقة وحتى مدمرة على أجزاء كثيرة من المجتمع. فعلى وجه الخصوص، فإن النماذج اللغوية الكبيرة والذكاء الاصطناعي (AI) المُولِد تظهر قدرتها على إحداث اضطراب في مجال الترفيه والتعليم وأماكن العمل، كما تعمل إمكانات “الاستقلالية في السكون” بالفعل على تمكين الهيمنة الحكومية الاستبدادية على المواطنين، بل إنها تثير مخاوف وجودية مرتبطة بالتطورات الاستخباراتية غير البشرية. وبالمثل، هناك قيمة حقيقية وفورية يمكن اكتسابها من استخدام هذه التقنيات في العديد من مجالات المساعي العسكرية، بما في ذلك الخدمات اللوجستية، والتدريب وأنظمة الأفراد، وإمكانات القيادة والتحكم، وتطبيقات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع، وذلك يمثل عدد قليل على سبيل المثال لا الحصر. إن تواجد هذه المهام داخل المؤسسة العسكرية (الاستدلال والتعرف على الأنماط من مجموعات البيانات الكبيرة، وتوليد التقارير القياسية، والتعرف على اللغة، وتوليد الصور) ليس بالأمر الغريب، بل إن ذلك يشبه إلى حد كبير تلك المهام التي نرى أنها معطلة في المجتمع المدني.
لطالما كانت هذه الأجزاء من النظام البيئي في مجال الدفاع حكراً على شركات تكنولوجيا المعلومات التجارية. الشكل 1 مأخوذ من نظام بيانات المشتريات الفيدرالي (FDPS) ويوضح النفقات المتعلقة ببرامج وزارة الدفاع (DoD) للعام المالي 2020 حسب فئة النشاط ونوع العلاقة التعاقدية. تُظهر البيانات أن الجزء الأكبر من نفقات وزارة الدفاع الأمريكية مبني على أسس تجارية (كما أنه ليس بالأمر الغريب أن يتم ذلك بموجب شروط سعر ثابت). وعلى الرغم من ذلك، فإن الشركات الكبيرة القائمة والشركات الصغيرة التي تركز على دعم تكنولوجيا المعلومات ذات المستوى الأدنى تشكل الجزء الأكبر من هذا الإنفاق إلى الآن. لقد ضخ اقتصاد الشركات الناشئة ورأس المال المغامر موارد هائلة في الإمكانات الجديدة المرتبطة بذلك، وأصبحت الفرص واضحة للجيش على المدى القريب، وبشكل أكثر وضوحًا في النفقات “المتعلقة بتطوير البرمجيات”، حيث كان أسلوب التعاقد النموذجي سائدًا، على الأقل حتى وقت قريب جدًا.
ولكن ماذا عن الأنظمة القتالية العسكرية؟ هناك بالتأكيد شيء يمكن اكتسابه من “الاستقلالية في السكون” (على سبيل المثال، تدريب الأنظمة القتالية على التعرف على التهديدات والرد عليها). ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الكثير (وليس الكل) مما يسمى الآن “الاستقلالية في الحركة” كان يسمى “منطق القرار المدعوم بالإحصاءات”. لقد طُبقت العديد من عناصر المعلومات الرقمية من هذا النوع (كما أنها كانت رائدة) في أنظمة القتال العسكرية منذ فترة طويلة. علاوة على ذلك، يمكن القول أن أنظمة القتال العسكرية لا ينبغي أن تتضمن الكثير (إن وجدت) من سلوك الذكاء الاصطناعي (AI) الناشئ أو المُولِد. بغض النظر عن المخاوف الأخلاقية المرتبطة فعليًا بأنظمة القتال الاستقلالية المتطورة (والتي قد يجادل البعض أن الخصوم سيضعونها جانبًا) وكذلك المخاوف المتعلقة بالقدرة على محاكاة هذه الإمكانات أو التلاعب بها، إلا أن فائدة أي نظام في القتال – سواء بطاقم أو بدون طاقم – ستعتمد على التنسيق المتوقع مع العناصر القتالية الأخرى، وذلك في جزء كبير منها. إنهم يعملون ضمن نظام بيئي أوسع من الإمكانات العسكرية التي ستشمل البشر في المستقبل القريب. ولحسن الحظ، فإن بعض السلوكيات المدفوعة رقميًا والتي لديها “العنصر الفعال” في الأنظمة القتالية العسكرية (على سبيل المثال، الطائرات المنسقة بدون طيار وفرق العمل المأهولة/غير المأهولة) هي الأكثر وضوحًا في التنفيذ باستخدام تقنيات البرمجيات التقليدية (ولا ينبغي – لا يجب) – أن يكون ذلك “الذكاء الاصطناعي”).
الحقيقة البديهية رقم 2: إن الجيوش بطيئة للغاية في إدخال التكنولوجيات الرقمية ضمن الأنظمة، ونتيجة لذلك، سوف تتخلف عن المعارضين المحتملين مستقبلًا.
حسنًا، ولكن نوعا ما…
من الأمور العقائدية بين العديد من المراقبين أن بعض القوى العسكرية تتقدم طرديًا وبسرعة أكبر من غيرها في إتقانها للتكنولوجيات الرقمية.[1] ويتبنى آخرون وجهة نظر أكثر تفاؤلًا، بحجة أن مقاييس التأثير والتوظيف تقلل من أي ميزة ملموسة قد تكتسبها تلك الجيوش الأكثر تكيفا.[2] إن ما يبدو واضحًا هو أن القوى العسكرية الكبرى تنظر إلى التكنولوجيات الرقمية باعتبارها ذات أهمية بالغة لتطوير القوات مستقبلًا، كما أن امتلاكها أنظمة بيئية ابتكارية مزدهرة (وإن كانت مختلفة) هو بهدف دفع التقدم في هذه المجالات. ومن المرجح أن تكون المنافسة الاستراتيجية في هذه الساحة طويلة الأمد وشرسة – وإذا كان التاريخ هو الذي يحكم – فإنها ستكون غير حاسمة إلى حد كبير من حيث وجود معالم واضحة للفائزين والخاسرين.
إذًا وبشكل عام، هل تتحرك الجيوش بسرعة كافية في التنفيذ؟ ربما لا، وخاصة أن القادة العسكريين يحدقون بحسد إلى نظائرهم من المدنيين. ولكن من غير المرجح أن يكون الحل مدفوعًا فقط بالتطور التكنولوجي المتسارع. وتشمل عوامل تسريع التطبيق العسكري لأي تكنولوجيا مجموعة أوسع بكثير من مجرد عمليات التكامل، حيث يشمل ذلك أيضًا التجريب التشغيلي والتقييم في ظل ظروف واقعية. يمكن تسريع تقدم هذه الأنظمة وترقيتها/تحديثها من خلال أساليب بنية هندسة الأنظمة المعيارية المفتوحة (MOSA)،[3] والأنظمة التصميمية المدروسة ولا سيما البُنى التي تقسم المكونات البرمجية للنظام بشكل فعال، إلا أن إضافة تقنيات الذكاء الاصطناعي (AI) إلى المزيج ستضيف طبقة جديدة من التعقيد. لقد تم تطوير العديد من تقنيات التعلم الآلي القوية في بيئات ليست عدائية. ومن السهل بشكل مثير للقلق تقويض العديد من هذه الخوارزميات، وهي سمة مثيرة للقلق في العالم المدني، ولكنها خاصية تدميرية متوقعة في ظل الظروف العسكرية.[4]
إن النتيجة النهائية هي أن مثل هذه الأنظمة ستتخلف حتماً عن أحدث التطبيقات التجارية، حيث تكون مخاطر الفشل أقل بكثير. تعتبر عملية التجريب التشغيلي المبدئي والتقييم (IOT&E) محبطة للغاية بالنسبة لعقلية “التقدم السريع والفشل السريع”، ولكن الأمر يستحق النظر في معنى “الخطر” و”الفشل” عند تطوير الإمكانات القتالية. في الاصطلاحات العادية لعالم الاستحواذ والأعمال التجارية، فإن “المخاطر” ترتبط بمفاهيم مثل التكلفة والجدول الزمني – وهي مخاطر تستحق المجازفة إذا كانت تولد إمكانات ذات مغزى بجداول زمنية أسرع مما هو عليه الوضع الحالي. لكن النتيجة النهائية لا يجب أن تتضمن فرصة ذات مغزى بأن يكون مثلًا السلاح الذي يستخدمه الأفراد المقاتلون يعمل بشكل لا يمكن توقعه – فمثل هذا الخطر “خطر البقاء” غير مقبول. لقد نتج عن عمليات التطوير ميزة كبيرة لجيوش مثل الولايات المتحدة، وذلك عندما اُستخدمت أنظمتها أخيراً تحت ضغط القتال (ويشهد على ذلك الصراع في أوكرانيا، والأيام الأولى لعاصفة الصحراء، وغيرها الكثير).
وتشمل عوامل تسريع التطبيق العسكري لأي تكنولوجيا مجموعة أوسع بكثير من مجرد عمليات التكامل، حيث يشمل ذلك أيضًا التجريب التشغيلي والتقييم في ظل ظروف واقعية.
– الدكتور تيد هارشبرجر
الحقيقة البديهية رقم 3: إن الحل لهذا التحدي هو الاعتماد بشكل كبير على قطاع التكنولوجيا التجارية، لاسيما النظام البيئي للشركات الناشئة ورأس المال المغامر التي تركز على الدفاع، وبما أن هذه الشركات ليست منظمة أو محفزة للعمل بإجراءات الاستحواذ النموذجية، لذلك يتعين على منظمات الدفاع الاتجاه إلى أساليب الاستحواذ غير القياسية.
إن الوصول إلى النظام البيئي الاستثماري المغامر يأتي مع فوائد حقيقية للمؤسسات الدفاعية (أبرزها فرصة الاستفادة من استثمارات المشروعات الخاصة لتعزيز الإمكانات والقدرة على الوصول إلى القوى العاملة من الدرجة الأولى). هنالك كذلك مخاطر حقيقية متأصلة في هذا المسعى. في عصر أسعار الفائدة المنخفضة وصعود مجموعات شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة (SPAC) الهادفة للربح، فقد تم تأسيس العديد من الشركات ذات التوجه الدفاعي، وقد تدفقت إليها رؤوس أموال ضخمة، إلا أنه هناك دورة ازدهار وكساد لهذا الجزء من اقتصادنا، حيث يمكن القول إننا ندخل حاليًا في دورة الكساد. ستحتاج منظمات الدفاع إلى أن تكون في حالة تأهب ومرونة خلال تعاملها مع هذا القطاع.
لقد لاحظنا بالفعل الفرص العديدة للاستفادة من إمكانات الشركات الناشئة ورأس المال المغامر (بما في ذلك قدرات الذكاء الاصطناعي) في أجزاء كثيرة من المؤسسة الدفاعية (الخدمات اللوجستية، والتدريب، وأنظمة شؤون الموظفين، وإمكانات القيادة والتحكم، وتطبيقات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع، إلخ.). وعلى الرغم من ذلك، فإن النقاشات المذكورة أعلاه تشير إلى أن الدفاع عليه أن يتجه بشكل انتقائي إلى هذا النظام البيئي عندما يتعلق الأمر بالإمكانات القتالية. من الواضح أن القدرة على تجميع وإنتاج الأجهزة بسرعة وبتكاليف أقل يمثل إحدى نقاط القوة، ولكن إذا كانت فرص تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي (AI) التجاري المتطور محدودة نسبيًا في حين ستبقى الجداول الزمنية للتطوير طويلة نسبيًا، فإن هذا الجزء من النظام البيئي لبدء المشروعات الناشئة يبدو أقل جاذبية نسبيًا للأنظمة القتالية. إن هذا قد يكون أحد التفسيرات وراء الطرق العديدة التي جربتها وزارة الدفاع (DoD) – على سبيل المثال – لتسريع هذه المساعي – مثل هيئات المعاملات الأخرى، وأساليب الإمكانات كخدمات، والأساليب التجارية من الجزء 12 في اللائحة الفيدرالية للاستحواذ FAR))، فعلى سبيل المثال لا الحصر: التحديات التي تواجه محاولة تحويل الابتكارات الناشئة إلى “برامج مسجلة” وممولة. إنها حقًا ليست مباراة رائعة.
ماذا يحدث بالفعل؟
في الوقت الذي تحتوي فيه كل هذه البديهيات على بعض من عناصر الحقيقة، إلا أن التحدي الحقيقي لتقييم صحتها هو أن النظام البيئي للدفاع لم يكن مؤهل لجمع وتقييم البيانات حول هذه الإمكانات والاستثمارات. وعلى وجه الخصوص، ففي الوقت الذي يمنح فيه نظام بيانات المشتريات الفيدرالي (FDPS) رؤية واضحة لأنظمة الأعمال وغيرها من البرامج المستقلة، إلا أنه صامت وبشدة عن مجموعة واسعة من البرمجيات المدمجة داخل الأنظمة القتالية. فعلى سبيل المثال، أُطلق على الطائرة (F-35) وصف “الكمبيوتر الطائر”، وعلى الرغم من ذلك فلا يمكن تتبع عشرات الملايين من أسطر الأكواد البرمجية الخاصة بها كاستثمارات يمكن تتبعها في تكنولوجيا المعلومات بما يفصل تكلفة تلك الاستثمارات عن استثمارات الأجهزة.
يوضح الشكل 2 عناصر البيانات داخل نظام بيانات المشتريات الفيدرالي (FDPS) التي تم ربطها بالبرمجيات في السنة المالية 2020، والتي تم تنظيمها هذه المرة من خلال عنصر وزارة الدفاع (DoD) أو الوكالة التي أجرت عمليات الشراء والنشاط الواسع الذي مولته هذه الموارد. في الوقت الذي تنفق فيه الخدمات العسكرية (وقيادة العمليات الخاصة الأمريكية “USSOCOM”) الأموال بوضوح على البرمجيات، فإن المبالغ المضبوطة متواضعة للغاية (تقدر إجمالًا بحوالي 10 مليارات دولار) مقارنة بميزانيات الاستحواذ الإجمالية لوزارة الدفاع (DoD). إنه لمن الواضح أن الإنفاق على برمجيات الأنظمة القتالية لم يتم رصده هنا (أو بشكل كامل في أي مكان). ويناء على الاستدلال، فإن أنظمة الأجهزة ذات البرمجيات الكثيفة تُدار باستخدام أساليب استحواذ مصممة للأجهزة، وليست للبرمجيات.
الآثار المترتبة على ذلك
ترسم هذه الورقة صورة مختلفة واستفزازية بشكل متعمد ولها آثار عديدة على صناع القرار. أولاً: يجب التعامل مع هذه المجموعة من التكنولوجيات بقدر أكبر من الدقة والتشكيك مما كان واضحاً في الآونة الأخيرة، وخاصة في الصحافة الشعبية العامة. من الممكن أن يلعب الذكاء الاصطناعي (AI) وغيره من التكنولوجيات الرقمية المتطورة دورًا في الأنظمة القتالية العسكرية، ولكن من المرجح أن يكون هذا الدور محدودا في الاغلب أكثر مما هو مزعوم. ثانيًا: يجب الفصل بعناية بين النهج المتبع في أنظمة المعلومات العسكرية ذات التوجه العملي (مثل الخدمات اللوجستية، والقيادة والتحكم، وغيرها) عن نهج الأنظمة القتالية. أما بالنسبة لأنظمة المعلومات، فإن متابعة ونشر التقنيات الرقمية المتقدمة يمكن – بل يجب – أن يمضي قدمًا وبقوة أكبر. ويمكن أن يشمل ذلك شراء إمكانات المعلومات الشاملة من عالم الشركات الناشئة ورأس المال المغامر باستخدام تقنيات الاستحواذ غير القياسية (على الرغم من أن هذه الأنظمة يمكن متابعتها كذلك من خلال أساليب تجارية أصبحت معيارية وسائدة في الوقت الراهن). ثالثًا: يجب التوقف عن البحث عن حلول شاملة من عالم الشركات الناشئة لأنظمة القتال العسكرية المعقدة. وبدلاً من ذلك، فيجب اعتبار هذه الإمكانات بمثابة أنظمة فرعية عسكرية أكثر نموذجية يجب دمجها واختبارها ضمن نظام أكبر لإنشاء الإمكانات العسكرية.
من الممكن أن يلعب الذكاء الاصطناعي (AI) وغيره من التكنولوجيات الرقمية المتطورة دورًا في الأنظمة القتالية العسكرية، ولكن من المرجح أن يكون هذا الدور محدودا في الاغلب أكثر مما هو مزعوم.
– الدكتور تيد هارشبرجر
- يجب الأخذ في الاعتبار استنباط عناصر واضحة من برامج التسجيل الحالية لجذب واستخدام الشركات غير القياسية.
- يجب الاعتماد على المقاولين الرئيسيين وتحفيزهم لتطوير مسارات ونماذج واضحة للمشاركة في المشروع
- يجب قياس وتحفيز مشاركة الشركات الناشئة ورأس المال المغامر (بما يتجاوز مخصصات الشركات الصغيرة النموذجية) في عقد نظام القتال الرئيسي للمركبات.
قد تبدو هذه وكأنها توصيات “العمل كالمعتاد”، وهي كذلك إلى حد ما – ولكن هذا لا يعني أنها غير ذات صلة. يمكن للعديد من عناصر مؤسسة الدفاع – بل وينبغي عليها – الاستفادة من نهج أسرع وأكثر مرونة لاستخدام التكنولوجيات الرقمية التجارية المتطورة، ولكن محاولة “الملاءمة الإجبارية” لهذه الأساليب في تطوير الأنظمة القتالية من المرجح أن يؤدي إلى استمرار الإحباط والفشل.